وجهة نظر: ما مدى هشاشة الدول النفطية؟

نشر في 07-05-2024
آخر تحديث 06-05-2024 | 19:20
 سامية أحمد الدعيج

في عصر متصاعد للقلق بشأن تغيّر المناخ ودفع عالمي نحو مصادر الطاقة المتجددة، تواجه المعاقل التقليدية للدول النفطية تحديات لم يسبق لها مثيل. فقد ألقى تقرير حديث من «كاربون تراكر» (مبادرة مكونة من متخصصين ماليين يقيمون المخاطر المناخية على الأسواق المالية)، الضوء على ضعف هذه الدول التي تعتمد اقتصاداتها بشكل كبير على استخراج الوقود الأحفوري وتصديره.

وفحص التقرير ضعف 40 دولة، من بينها الكويت ومجلس التعاون الخليجي من بين تلك التي تم تحديدها بمستوى معيّن من المخاطر، ومع انتقال العالم نحو بدائل الطاقة النظيفة، يتوقف مستقبل الدول النفطية على توازن حساس.

وقد توقّع أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة لنظرة الطاقة العالمية ارتفاع الطلب على النفط والغاز والفحم جميعها بنهاية هذا العقد، بفضل تراجع تكاليف التقنيات النظيفة، حتى لو لم يتم تقديم أي سياسات مناخية إضافية.

ومع ذلك، فإن الدعوة التي أطلقتها الحكومات في مؤتمر الأطراف 28 في دبي لتسريع الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري نحو مصادر الطاقة المتجددة، مثل الرياح والطاقة الشمسية في جولة التزام المناخ القادمة ستسرّع هذه العملية.

في الوقت نفسه، يُطلق استخدام الهيدروجين الذي يتولد بشكل طبيعي داخل الأرض بأنه اندفاعة ذهبية جديدة، مطابقة للانقلاب الذي تسببت فيه عمليات الإخراج أو التكسير الهيدروليكي في أسواق الطاقة في بداية هذا القرن.

أحد أسباب القلق الأساسية المسلّطة في التقرير هو مفهوم «فقاعة الكربون»، وهذا يشير إلى الفارق بين القيمة المقدرة لاحتياطيات الوقود الأحفوري التي تحتفظ بها الدول النفطية وقيمتها المحتملة في عالم يسعى لتقليل الاحتباس الحراري إلى ما دون 2 درجة مئوية، كما هو موضّح في اتفاقية باريس. مع تكثيف جهود التخفيف من تغيّر المناخ، من المتوقع أن ينخفض الطلب على الوقود الأحفوري، مما يؤدي إلى تقليل قيمة هذه الاحتياطيات ويشكّل مخاطر اقتصادية كبيرة للدول النفطية.

ويمتد ضعف الدول النفطية بعيدا عن القلق الاقتصادي ليشمل الآثار الاجتماعية والسياسية أيضا. فالعديد من هذه الدول تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط والغاز لتمويل ميزانيات الحكومة، وتوفير الدعم والحفاظ على برامج الرفاهية الاجتماعية. ويمكن أن يؤدي تراجع أسعار النفط أو الطلب إلى عجز في الميزانية، وتطبيق إجراءات التقشف، والاضطرابات الاجتماعية، كما شهدنا خلال التقلبات السابقة في أسعار النفط.

ويجعل الاعتماد الزائد على مصدر إيرادات واحد هذه الدول عرضة للصدمات الخارجية وتقلبات أسواق الطاقة العالمية، كما شهدنا أخيرا مع الحرب في أوكرانيا وجائحة «كوفيد».

ونظرًا لهذه التحديات، يدعو تقرير «كاربون تراكر» إلى اتخاذ إجراءات عاجلة للتخفيف من المخاطر التي تواجه الدول النفطية، ويؤكد أهمية تنويع الاقتصادات والاستثمار في البنية التحتية للطاقة المتجددة، وتنفيذ سياسات تدعم الانتقال العادل بعيدًا عن الوقود الأحفوري. هذه التدابير ضرورية ليس فقط لاستدامة طويلة الأمد للدول النفطية، ولكن أيضًا لجهود العالم الرامية لمكافحة تغيّر المناخ.

في حين أن الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري يطرح تحديات صعبة على الدول النفطية، فإنه أيضًا يوفّر فرصا للابتكار وتنويع الاقتصاد والتنمية المستدامة. ومن خلال تبنّي الطاقة المتجددة وتبني سياسات تفكير مستقبلي، يمكن لهذه الدول أن تتحضر لمستقبل أكثر مرونة وازدهارًا.

ويتوقف مصير هذه الدول على قدرتها على التكيف مع المشهد الطاقوي المتطور بسرعة وتبنّي مسارات التنمية المستدامة، فالفشل في ذلك يعرّض الدول النفطية لموقف خطير، إذ تكون محاصرة بين ضغوط الطلب المتناقص على الوقود الأحفوري وضرورات مستقبل منخفض الكربون.

* خبيرة بيئية

back to top