في تطور يضاعف المخاطر على المستوى الدولي، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإجراء مناورات نووية في «المستقبل القريب»، في خطوة قال الكرملين إنها تأتي رداً على «تهديدات قادة غربيين»، بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، باحتمال إرسال «جنود من الناتو» إلى أوكرانيا.

وجاء الإعلان الروسي فيما كان ماكرون يجري محادثات صعبة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ في باريس، حول التنافس التجاري وحرب أوكرانيا، في محاولة من الاتحاد الأوروبي لإقناع بكين، المتمسكة بالعلاقات مع القارة العجوز، بلعب دور أكبر في لجم موسكو.

Ad

واستدعت روسيا، أمس، السفيرين الفرنسي والبريطاني.

وفي تهديد آخر يعكس حدة التوتر، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها أبلغت السفير البريطاني، أنها قد تضرب «أي منشأة عسكرية أو عتاد عسكري بريطاني على الأراضي الأوكرانية» أو أماكن أخرى، في حال استخدمت كييف «أسلحة بريطانية» لضرب أهداف روسية، إثر تصريحات لوزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون «حول حق أوكرانيا بضرب أراضي روسيا بواسطة أسلحة بريطانية».

جاء ذلك، فيما استدعت ألمانيا سفيرها لدى روسيا لإجراء مشاورات بعد أن أظهر تحقيق رسمي تورط موسكو في هجمات سيبرانية العام الماضي على مقار للحزب الديموقراطي الاشتراكي الذي يقود الائتلاف الحكومي. كما استدعت تشيكيا سفير روسيا للاحتجاج على هجمات سيبرانية.

وفي باريس، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين بعد اجتماع مع ماكرون وشي جينبينغ إن الاتحاد الأوروبي وباريس يعوّلان على الصين «لاستخدام كل تأثيرها على روسيا» لوقف حرب أوكرانيا. لكن الرئيس الصيني لم يقدم أي تعهدات بهذا الشأن، واكتفى بالإشارة إلى أن بلاده تتفهم تداعيات ما يجري على أوروبا، وهي مستعدة للتعاون مع الأوروبيين للوصول إلى سلام بين كييف وموسكو.

وفي تفاصيل الخبر:

أجرى الرئيس الصيني شي جينبينغ أمس محادثات مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، وذلك بعدما عقد الرجلان قمة ثلاثية مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فوندرلاين تناولت العلاقات الأوروبية ـ الصينية، وذلك قبل أشهر قليلة من انتخابات رئاسية أميركية متقاربة بين جو بايدن ودونالد ترامب.

أوكرانيا والتنافس التجاري

واختار الرئيس الصيني فرنسا ليستهل منها جولة أوروبية هي الاولى له منذ خمس سنوات ستشمل صربيا والمجر، وذلك بعد تصاعد الاشارات الايجابية التي بعثتها باريس باتجاه بكين في الاشهر الأخيرة الماضية، في حين اتخذ الاوروبيون موقفاً أكثر عدائية من الصين خلال ولاية بايدن التي شارفت على الانتهاء، والذي تعهد خلالها بإعادة توحيد الحلفاء الغربيين ضد «خطر» روسيا والصين.

وسيطرت الحرب في أوكرانيا والخلافات التجارية على المحادثات، حيث يأمل الجانب الاوروبي أن تتخذ بكين مواقف أكثر حزماً فيما يتعلق بالصراع المستمر منذ سنتين على تخومها، كذلك يتطلع الاوروبيون الى قواعد تجارية منصفة فيما تتصاعد حماوة التنافس التجاري والاقتصادي بين واشنطن وبكين.

وفي ظل المخاوف الأوروبية من التراجع اقتصاديا في ظل التنافس بين القوتين الأوليين في العالم، أي الولايات المتحدة والصين، فتحت بروكسل خلال الأشهر الماضية سلسلة تحقيقات بشأن حزم الدعم التي تقدمها الحكومة الصينية لبعض القطاعات الصناعية خصوصا السيارات الكهربائية.

ويخشى الأوروبيون والأميركيون من أن هذا الدعم الحكومي يقوّض المنافسة، وقد يلحق ضررا بالاقتصاد العالمي، فيما تتهمهما بكين أوروبا بـ«الحمائية».

وأكد شي في تصريحاته أمس أن الصين «تتفهم» تداعيات الأزمة الأوكرانية على أوروبا، وأعلن استعداده للعمل مع فرنسا والمجتمع الدولي بأسره لإيجاد مخرج معقول للأزمة.

وشدد على أن «الصين تعتبر أوروبا أولوية في سياستها الخارجية وشريكاً مهما في انجاز تحديثها ويتعين عليهما أن يظلا ملتزمين بالشراكة» متجاهلا بشكل عام الاشارة الى خلافات.

وقال شي، في بداية الاجتماع الثلاثي في الإليزيه مع ماكرون وفوندرلاين: «مع دخول العالم فترة جديدة من الاضطراب والتحوّل، يتعين على الصين والاتحاد الأوروبي، باعتبارهما قوتين رئيسيتين في العالم، أن يظلا ملتزمين بالحوار والتعاون، وأن يسعيا إلى تعميق التواصل وتعزيز الثقة المتبادلة، وبناء توافق وتنفيذ تنسيق استراتيجي، والعمل على تحقيق نمو مطرد وسليم للعلاقات ومواصلة تقديم إسهامات جديدة في السلام والتنمية على الصعيد العالمي». ونفى شي وجود مشكلة عنوانها «القدرة الإنتاجية المفرطة الصينية»، قائلا إنه «سواء نظرنا إلى الأمر من منظور الميزة النسبية أو الطلب في السوق العالمية، فإنه لا يوجد شيء اسمه القدرة المفرطة».

وحول الاوضاع في غزة، شدد الرئيس الصيني على أن الأولوية الرئيسية هي وقف العدوان على غزة وضمان توصيل المساعدات الإنسانية. وقال: «بكين مستعدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي لدعم مؤتمر سلام دولي أوسع نطاقا لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني»، معتبراً أن «السبيل الأساسي للخروج من الأزمة الحالية هو إنفاذ حل الدولتين».

وأكد ماكرون، خلال اللقاء الثلاثي، أن «التنسيق» مع الصين بشأن «الأزمات الكبرى» في أوكرانيا والشرق الأوسط هو أمر «حاسم تماماً».

وأشار ماكرون إلى أهمية اعتماد «قواعد عادلة للجميع» في مجال المبادلات التجارية بين بكين ودول الاتحاد الأوروبي، مضيفا «مستقبل قارتنا سيعتمد بوضوح على قدرتنا على مواصلة تطوير علاقاتنا مع الصين بطريقة متوازنة».

وشدد ماكرون على أن كل شيء يجب ان يتم من أجل إشراك الصين في القضايا الرئيسية العالمية الحالية.

وأكد أنه من مصلحة أوروبا «ضمان أن تلتزم الصين باستقرار النظام الدولي»، مشيرا إلى أنه لن يكون هناك أي تقدم في قضايا المناخ والتنوع البيولوجي بدون التوصل لتسويات مع بكين.

وكانت فوندرلاين قالت خلال القمة الثلاثية، إن الاتحاد الأوروبي وباريس يعوّلان على الصين «لاستخدام كل تأثيرها على روسيا» لوقف حرب أوكرانيا. وأضافت: «لقد أدى الرئيس شي دورا مهما في الحد من التهديدات النووية غير المسؤولة لروسيا، وأنا واثقة من أنه سيواصل القيام بذلك».

ولفتت إلى أنها دعت مع ماكرون الرئيس الصيني إلى بذل «مزيد من الجهود للحد من تسليم السلع ذات الاستخدام المزدوج لروسيا»، وهي سلع يمكن استخدامها لأغراض مدنية وعسكرية «والتي ينتهي بها الأمر في ساحة المعركة» في أوكرانيا. من ناحية أخرى، حذرت المسؤولة الاوروبية الألمانية الرئيس الصيني من أن الاتحاد الأوروبي لن يتسامح مع «ممارسات بكين التى تحدث خللا بالأسواق».

واعتبرت أن الدعم الحكومي الصيني لصناعات السيارات الكهربائية والصلب يشكل تهديدا خطيرا للصناعات الأوروبية ويمكن أن يؤدي حتى إلى «تراجع التصنيع في أوروبا». وأشارت إلى أن «الصين تقوم حاليا بتصنيع، يحظى بدعم واسع، أكثر مما تبيعه بسبب ضعف الطلب المحلي لديها، وهذا يؤدي إلى زيادة في المعروض من السلع الصينية المدعومة، مثل السيارات الكهربائية والصلب، مما يؤدي إلى تجارة غير عادلة.»

وأوضحت أن «الاختلالات الحالية المتعلقة بالنفاذ إلى الأسواق ليست مستدامة وتحتاج إلى معالجة». وأكدت أن الاتحاد الأوروبي لا يسعى إلى «الانفصال عن الصين رغم أن علاقاتهما تعد واحدة من أكثر العلاقات تعقيدا، ولكنها أيضا واحدة من أهم العلاقات».