في خطوة تنذر بمزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية بقطاع غزة الفلسطيني وتهدد معاهدة السلام المعدلة مع مصر لعام 2005، شنّ الجيش الإسرائيلي عملية مباغتة وأعاد احتلال الجانب الفلسطيني من معبر رفح ومحور فليلادلفيا، أمس، وذلك غداة إعلان حركة حماس قبول مقترح لوقف النار في قطاع غزة، شككت فيه الحكومة الإسرائيلية، متهمة «حماس» بتقديم عرض مضاد.
وفي عملية وصفت بأنها «عملية محدودة» في شرق مدينة رفح المكتظة بنحو 1.4 مليون نازح تهدف للقضاء على الكتائب القتالية المتبقية لـ«حماس»، أعلن الجيش الإسرائيلي قيام قوات «الفرقة 162» التي تعمل في شرق رفح بالسيطرة على المعبر بالكامل ورفع العلم الإسرائيلي عليه وإطلاق عملية تمشيط بالمنطقة أسفرت عن قتل 20 مسلحاً وتدمير سيارة مفخخة استهدفت دبابة، بالإضافة إلى العثور على 3 فتحات تزعم سلطات الاحتلال أنها تستخدم لتهريب السلاح إلى غزة عبر سيناء المصرية.
وأشار الجيش إلى أن الطائرات الحربية استهدفت 100 هدف في المنطقة عقب تحرك سكان المنطقة باتجاه «المنطقة الإنسانية» قرب وسط القطاع. وأفاد بأنه أغلق معبر رفح أمام حركة الأفراد والبضائع. كما أوضح أن معبر «كرم أبوسالم» الذي يقع عند المثلث الحدودي بين القطاع الفلسطيني ومصر وإسرائيل مغلق أيضاً لأسباب أمنية.
الحرب من أجل الضغط
وليل الاثنين ـ الثلاثاء، أعلن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن المجلس الحربي قرر بالإجماع المضي قدماً في عملية الجيش برفح «من أجل ممارسة الضغط العسكري على حماس، بهدف إحراز تقدم في تحرير الرهائن وأهداف الحرب الأخرى».
وقال بيان نتنياهو، إن عرض «حماس» الذي أعلن زعيمها إسماعيل هنية للوسطاء المصريين والقطريين قبوله «بعيد كل البعد عن تلبية متطلبات إسرائيل الأساسية».
وفي الوقت نفسه، قال البيان إن إسرائيل سترسل فرق عمل تقنية لإجراء محادثات مع الوسطاء من أجل «استنفاد أي إمكانية للتوصل إلى اتفاق بشروط مقبولة».
جاء ذلك في وقت ذكر تقرير لموقع اكسيويس أن إسرائيل تعتقد أن السيطرة على رفح سيقوّض حكم «حماس» وينهي ما تبقى من مظاهر سيطرتها على القطاع، ويدفعها إلى التخلي عن شرط انهاء الحرب باتفاق تبادل المحتجزين والرهائن الذي يتم التفاوض بشأنه حالياً.
وتحدثت تقارير عن اعتراض إسرائيل على بند يتحدث عن «الهدوء المستدام» في قطاع غزة، فيما يبدو انه صياغة جديدة لمطلب «حماس» وقف الحرب على غزة الذي ترفضه اسرائيل. كما تحدثت تقارير عن إصرار اسرائيل على أن تكون الدفعة الاولى من المحتجزين والتي تشمل 30 شخصاً جميعهم احياء وليس بينهم أي أموات كما ألمحت «حماس» في الاقتراح.
ردود فلسطينية
في المقابل، دعت السلطة الفلسطينية أميركا لـ «التدخل الفوري» لوقف اجتياح رفح، محذرة من تهجير سكان القطاع وارتكاب مجازر جديدة تدفع الأمور إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة.
وفي حين اكتفى الجناح العسكري لـ«حماس» بالإعلان عن قصف محدود للحشود الإسرائيلية التي احتلت معبر رفح بقذائف الهاون الثقيلة، وبشن قصف آخر على تجمع عسكري قرب معبر كرم أبوسالم، وصفت الحركة الإسلامية احتلال المعبر بأنه «جريمة ضد منشأة مدنية محمية بالقانون الدولي وتؤكد نية إسرائيل تعطيل جهود الوساطة لمصالح شخصية لنتنياهو وحكومته المتطرفة».
ودعت «حماس» الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي إلى «الضغط على الاحتلال لوقف التصعيد».
تهوين وضغط
في غضون ذلك، عاد مدير الاستخبارات المركزية الأميركية «CIA» وليام بيرنز إلى القاهرة قادما من تل أبيب لمتابعة جهود الوساطة غير المباشرة التي تقوم بها مصر وقطر من أجل دفع «حماس» وإسرائيل للقبول باتفاق تهدئة طويل، في حين نفى مسؤول أميركي قبول بيرنز «مقترحا معدلا لاتفاق غزة» الذي أعلنت الحركة الإسلامية قبوله دون إطلاع إسرائيل عليه.
وتحدث موقع «أكسيوس» الأميركي عن حالة من خيبة الأمل والتشكك اصابت المسؤولين الإسرائيليين فيما يتعلق بدور الولايات المتحدة في المفاوضات والصفقة المحتملة. وكشفت تقارير عبرية أن إدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن التي تخشى من تأثير الحرب على الانتخابات المقبلة، قررت تأجيل تسليم الجيش الإسرائيلي أسلحة أميركية، 6500 حزمة من الذخائر الهجومية المباشرة التي تحول القنابل التقليدية إلى موجهة، تحت ضغط من «الكونغرس»، بسبب خلاف حول عملية رفح.
وتزامن وصول بيرنز إلى القاهرة لإجراء المزيد من المباحثات مع وصول وفد قطري إلى العاصمة المصرية لاستئناف المفاوضات، إذ وصف المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد محمد الأنصاري، رد «حماس» بالإيجابي، معربا عن أمله أن تتوج الجولة بـ«التوصل إلى اتفاق وقف فوري ودائم لإطلاق النار وتبادل الأسرى والمحتجزين وادخال المساعدات الإنسانية بشكل مستدام إلى كل مناطق القطاع». كما ارسلت اسرائيل وفدا متوسط المستوى.
استنفار وتريث
ووضعت الخطوة الإسرائيلية السلطات المصرية التي تلعب دور الوساطة بين الطرفين المتحاربين في موقف معقد، إذ أعلنت القوات المسلحة المصرية الاستنفار الأمني ونشرت قوات وآليات شرقي وغربي المعبر.
ومن دون التطرق إلى تأثير التحرك على معاهدة السلام بين البلدين، دانت مصر بـ«أشد العبارات» التصعيد الخطير برفح وما أسفر عنه من سيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح.
ودعا البيان المصري الجانب الإسرائيلي إلى «ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، والابتعاد عن سياسة حافة الهاوية»، محذرا من تهديدها «جهود التوصل إلى هدنة مستدامة».
ونقلت قناة «القاهرة الإخبارية» عن مصدر رفيع المستوى، تحذير وفد أمني مصري لنظرائه في إسرائيل من «عواقب اقتحام المعبر». وأفادت مصادر بأن القاهرة تلقت تأكيدات إسرائيلية بأن الآليات الاسرائيلية تنفذ عملية محدودة في محيط المعبر.
دعوات دولية
في غضون ذلك، توالت الدعوات الدولية التي تدعو إسرائيل إلى العدول عن قرارها بالهجوم المدمر على رفح، بينما رأى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن «هجوم إسرائيل على رفح ينذر بحدوث مذبحة أخرى، ويجب على مجلس الأمن التحرك بقوة وفوراً. يجب أن يواجه نتنياهو عواقب حقيقية لأعماله».
ووصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الهجوم بالمتهور الذي لا يمكن قبوله والذي يتسبب في «عواقب إنسانية رهيبة، وجرّ المنطقة إلى الفوضى»، بينما حذر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط من أن الحرب المستمرة على غزة منذ 7 أشهر والتي تسببت في مقتل 34 ألفا و789 فلسطينيا، خلفت تبعات إقليمية بالغة السلبية والخطورة.
وفي حين دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لين جيان، إسرائيل إلى «الاستجابة للنداءات الساحقة للمجتمع الدولي، والتوقف عن مهاجمة رفح لتجنب وقوع كارثة إنسانية أكثر خطورة»، شدد الممثل الأعلى للسياسات الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أنه لا توجد أماكن آمنة في غزة.
كما عبّر المسؤول الأوروبي عن إدانته لما وصفه بالترهيب الذي يتعرض له قضاة المحكمة الجنائية الدولية بعد تقارير عن تهديد نواب بـ«الكونغرس» الأميركي بمعاقبتهم في حال إصدارهم لمذكرات توقيف واعتقال بحق المسؤولين الإسرائيليين على خلفية دعوى اتهامهم بارتكاب إبادة جماعية خلال حرب غزة.
من جانب آخر، دعا مندوب إسرائيل بالأمم المتحدة جلعاد إردان الولايات المتحدة إلى وقف تمويل الأمم المتحدة ومؤسساتها في حالة تمرير قرار يمنح فلسطين عضويتها الكاملة خلال جلسة مقررة الجمعة المقبلة.