من الواضح جداً أن رفض النواب الدخول في التشكيلات الحكومية يدل على عدم ثقتهم بها، وأنهم لا يريدون الارتباط المباشر معها، ويبغون التعامل معها من بعيد لبعيد، وهذا أمر شهدناه خلال السنوات الماضية ولا نزال نشهده ونراه، وتفسيره الواقعي والمنطقي أيضا أن عدوى عدم الثقة والتخوف انتقلت للنواب من أصوات ناخبيهم بالصناديق، فكل متابع للشأن المحلي يعلم أن هناك فجوة عدم ثقة شكلت العلاقة بين الحكومات المتتالية والمجتمع، واتسعت بعد الوعود العرقوبية، ومحاولات دس سم المماطلة وكسب الوقت في عسل البرامج والبشارات حتى استهلكت آخر قطرة مصداقية من حنفية ثقة المواطن!
النواب يمثلون ناخبيهم، وثقتهم كذلك التي تمثل ثقة مئات الآلاف من الناخبين تزيد إن زادت وتنقص إن نقصت، وهنا السبب الحقيقي بعيدا عن رفض نائب أو ثلاثة أو قبول التوزير واشتراط رابع أو خامس شروطا معينة لدخول التشكيل ومنح الحكومة الصك الدستوري اللازم لتمثل داخل المجلس، وقفة المواطنين يمكن تصورها كالشيك الذي يدور مع الرصيد المتوافر أينما دار، فإذا وجد الرصيد صرف الشيك حلالا بلالا، وإذا فقد الرصيد عاد الشيك مدحوراً إلى قواعد كف صاحبه خالي الوفاض، فهل لدى الحكومة رصيد إنجازات كاف عند المواطنين يكفي لسد شيك الثقة المطلوبة منهم؟!
مع الأسف الرصيد الحكومي من الثقة حاليا لا يكفي لسد حاجة هقوة صغيرة أو أمل ما زال يحبو، ولا ألوم النواب إن ترددوا في قبول دخول التشكيل، أو فروا من عدوى عدم الثقة الشعبية فرارهم من الأسد، فالحكومات أصبحت محرقة لكل نائب يقبل الارتباط بها والانضمام لصفوفها، فرصيد الثقة يتآكل كل يوم عبر خطوات حكومية متعثرة عند كل مطب ووعود إعلامية لا تساوي حبر مانشيتاتها وعاجلها، وعبر ترهل طال كل الهيكل الإداري فانكسر شحوما بيروقراطية وكولوسترول دورات مستندية، والخطط التنموية التي ترمى للخروج من دوائر المعادلات والدخول في مربع النتائج، تاهت عن العنوان الأكبر وغرقت في تفاصيل الهوامش.
وهكذا الأمر ينطبق على التعليم والصحة والشوارع والتوظيف والغلاء، وكذلك في طريقة تعاطي الحكومات مع مطالبات المواطنين المعيشية، التي تطرح في المجالس مرة ومرات عديدة وأمور أخرى كلها تصب في أزمة انعدام الثقة التي تنتقل من النواب لناخبيهم والعكس، ولا يوجد حتى اليوم لقاح جدي حكومي يعالج فيروس عدم الثقة أو يخفف أعراضه حتى.
حكومتنا الرشيدة، أصلحي علاقة ثقة مواطنيك بك عبر بناء مصداقية حقيقية معهم بأمور يرونها ويسمعونها حقيقة لا خيالا، وسينصلح حال ثقتك مع زملائك النواب في المجلس، وعندها سيصرف لك شيك الثقة من المجتمع قبل النواب، وبالعافية عليك.