حبلُ الله... قطر... الهوية
تمنيت اليوم أن أكتب أكثر من مقالة في الأسبوع، وذلك من شدة تزاحم الموضوعات الملحّة التي أود الكتابة عنها، وهو ما حملني للكتابة عن ثلاثة موضوعات مجتمعة في مقال واحد، وهو أمر لم أعتده، ولم أجد لنفسي خياراً إلا أن أسلكه.
ما تم ويتم في دولة قطر العزيزة ليس تنظيماً لبطولة كأس العالم فقط، وليس حدثاً رياضياً عالَمياً مجرّداً، بل هو استنهاض لأمة، جسّدت من خلاله قطر في رؤيتها وتنظيمها لهذا الحدث العالمي، المعنى القرآني العميق لقوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا»، فجسّدت قطر الوحدة العربية والإسلامية فيما أظهرته من تمسُّك بهويتها وقيَمها الإسلامية، بل وجعلته من ركائز تنظيم هذا الحدث، فاستهلت الافتتاح بآيات من القرآن الكريم، ونشرت بالطرقات آيات قرآنية رامزة لوشائج الارتباط العقدي والروحي للعرب والمسلمين، فوحدتهم مرتبطة بحبل الله المتين.
وقد أظهرت الدوحة موقفاً حازماً، وبكل شجاعة واعتزاز، حينما فرضت قيَمها الإسلامية جهاراً نهاراً على الجميع، فلم تجامل «فيفا»، ولم تُجارِ دولاً كبرى، فلا محلّ للشذوذ والشاذين على أرضها، ومنعت شرب الخمر قرب الملاعب وفيها، ورفضت ولاحقت كل مظهر غير أخلاقي ينافي الدين الإسلامي أو أخلاقياتنا وتقاليدنا العربية الأصيلة، بل لقد أبرزت قضيتنا الأولى، وهي القدس وفلسطين، وجعلتها حاضرة في كل مكان وركن وفعالية، وأحرجت المتخاذلين أو الخجولين من دولنا في إظهار هويتهم الإسلامية والعربية والتمسك بها، ورفضت الضغوط والتدخلات والتهويشات لتصمد كالجبال، وتجد العرب والمسلمين معها بصعيد واحد ليس كأنظمة فقط، بل وهو الأهم، حتى كشعوب.
ما قامت به قطر أوصل رسالة أننا كعرب ومسلمين معتصمون بحبل الله المتين، وهو سر قوتنا ومنعتنا، وسبب احترام العالم لنا وإدراكه لتميّزنا، فنحن شعوب حضارة ودين وقدرة وإمكانات، وأننا سنستعيد مكانتنا هذه قريباً، بإذن الله.
ولعل الحديث عن موضوع آخر، وهو الحفاظ على هويتنا الوطنية بمكوناتها وترابطها، هو أصل من ذلك الكل في المحافظة على الهوية الكويتية بمكوناتها، فينبغي أن يتم الحفاظ عليها وصونها من العبث عبر التجنيس وتذويب الهوية الوطنية التي هي قوة إمداد لهويتنا الأكبر، ولا محلّ في مثل هذا النهج للتفريط بهويتنا الوطنية، التي كانت ولا تزال مصدر قوتنا ككويتيين، ولا محل للمساومة عليها أو السماح بتشويهها بضغوط سياسية أو لمكاسب آنية انتخابية مرفوضة.
ولعل مناسبة إصدار الحكومة لبرنامجها وتأكيدها على تعزيز الهوية الكويتية عبر تنقية الجنسية من كل عبث وتزوير، وتوجّهها لإنشاء الهيئة العامة للجنسية مدخل وطني منطقي وقانوني مستحق لتطهير هذا الملف من التشوهات التي لحقته.
ونجد أنه واجب على أعضاء مجلس الأمة الغيورين على بلدهم أن يبادروا للحفاظ على الهوية الكويتية، باستخدام أدواتهم الدستورية التشريعية والرقابية، كما تم من قِبَل النائب صالح عاشور الذي سأل عن كيفية وأحوال تجنيس ما يقارب 400 ألف من دون وجه حق! وهو العدد الذي تدور بشأنه شبهات العبث بالتجنيس، وذلك كله لإعلاء الهوية الوطنية وصونها، ودعماً لتوجهات الحكومة وبرنامجها الهادف إلى تنقية الجنسية ووقف التجنيس العبثي والسياسي أو الممنهج من أطراف تنظر إلى الجنسية على أنها وسيلة للتنفّع، ولا يهمهم ازدواجهم المقلق والخطير، أو محاولات تجنيس غير المستحقين ممن يدّعون أنهم بدون، وهو مسعى يهدف - بكل أسف - لإضعاف تماسُك اللحمة الوطنية من دون اعتبار لمنطلقات الانتماء والولاء، في الوقت الذي تثبت الوثائق الرسمية أنهم رعايا دول أخرى.