تشكيل الحكومة بين الأزمة... والهيبة

نشر في 08-05-2024
آخر تحديث 07-05-2024 | 20:22
 د. محمد المقاطع

مأزق ولادة الحكومة، هل هو أزمة دستورية أم أزمة سياسية براغماتية؟

تساؤل ملحّ لا بدّ من مواجهته، في محاولة فهم الواقع الحالي لأثر عدم تشكيل الحكومة من جهة، وطرح ومناقشة الحلول والمخارج المتاحة دستورياً وربما «العملية» للخروج من هذا المأزق!

لو جاء موعد جلسة مجلس الأمة في 14 الجاري ولم تُشكّل الحكومة، فإن خيار تأجيل موعد انعقاد المجلس دستورياً لم يعُد متاحاً، لكنّ تراخي موعد انعقاد الجلسة واقعياً وارد، ومن ثم تُعقد جلسة الافتتاح متى تم تشكيل الحكومة، برئيس وزرائها المكلف حالياً أو بغيره.

ولا يمكن لحكومة تصريف العاجل حضور جلسة الافتتاح، لكونها تتعارض ونص المادتين 56 و57 من الدستور، إذ لا بدّ في بداية مجلس جديد من وجود حكومة جديدة، ليكتمل تكوين المجلس دستورياً.

وعند تعثُّر تشكيل حكومة نهائياً، فإن الحل الوحيد المتاح، في ظل أحكام الدستور، هو طلب الحكومة المستقيلة من الأمير حل المجلس للعودة إلى الشعب بانتخابات جديدة.

وهنا نشير إلى خطورة الخلل الكامن في عجز رئيس الوزراء عن تشكيل حكومة، وما يعنيه من تداعيات إعفائه، وفي الوقت ذاته عدم نضج أعضاء مجلس الأمة في تلاشى مُكنتهم على إقناع أحدهم لدخول الحكومة، وعزوفهم بتداعياته الدستورية! فهل يُعقل أن يصل البلد إلى حال تفقد فيها كل من السلطتين القدرة على تخطّي أزمة تشكيل حكومة مع بداية فصل تشريعي جديد؟!

وزارة إعادة الهيبة

أزمة تشكيل الحكومة تعيد إلى الأذهان إلحاح عودة حكومات الهيبة التي كانت قادرة على إدارة المشهد السياسي، بل ويسهل تشكيلها من رجالات دولة.

إن سوء تقدير أعضاء مجلس الأمة لمعنى التعاون بين السلطات، والتعسف المتواصل في ممارسة الصلاحيات البرلمانية وأدواتها، والانحراف التشريعي بممارسة العمل التنفيذي والابتزاز والتهديد والتشفّي بممارسة العمل الرقابي، تمخّضت عنها ممارسات برلمانية كسرت كل الحدود الدستورية بين السلطات.

وواكب ذلك ضعف في تكوين الحكومة وتواضع في قدرات وزرائها، وسوء وتردد في أدائها ودورها الدستوري، وكل ذلك جعلها غائبة مغيّبة، بل وصارت تبعاً لأعضاء مجلس الأمة.

وقد عجّل ذلك بضياع هيبة الدولة وتحديداً هيبة الحكومة وقدرتها، فصارت تكملة للعدد، وتلاشى دورها القيادي والمبادر في إدارة دفّة البلاد، بما لها من سلطة هيمنة كاملة وملحّة بحُكم المادة 123 من الدستور، فضاعت الهيبة وضاعت الثقة، فصارت الحكومة في مهب رياح النواب وتقلّباتهم السياسية والمزاجية.

الكويت اليوم ممثلة بالسلطة التنفيذية (الحكومة) وضعت أمام اختبار وخيار وحيد، فإمّا أن تنجح فيه وتنحاز إليه، أو عليها أن تكتب نهاية البلد وتلاشيه بأيدي أبنائه.

إنه خيار «استعادة هيبة الدولة والحكومة معاً»!

لكن كيف للحكومة أن تستعيد هيبتها وهيبة الدولة ومؤسساتها ومكانتها؟! ما يلي بعض ملامح ذلك:

- أن تنطلق من رؤية محددة وقضايا تتشكل على أساسها، ويعرف الوزراء زملاءهم قبل الدخول في الحكومة.

- أن يكون برنامج عملها جاهزاً خلال شهر، وتطلب من مجلس الأمة الموافقة عليه وتبنّيه.

- وضع الدستور بوصلة تعاملها مع المجلس، ورفض تدخلاته وأعضائه في عمل الحكومة، سواء تشريعياً أو سياسياً، وصدّهم متى تجاوزوا ذلك.

- استخدام صلاحياتها الدستورية التنفيذية والتشريعية كاملة، لتكون هناك حدود فاصلة وأطر واضحة في تعاملها مع المجلس، فتطلب تأجيل الموضوعات، وتعيدها إلى اللجان، وتحتكم للجنة التشريعية و»الفتوى والتشريع»، وتصوّت في كل موضوع، وتحضر إعلامياً بقوة بالتصريح وبالتوضيح، لوأد الشائعات، والمبادرة بإعلان رأيها وقراراتها ومواقفها، وعدم حضور الجلسات عند انحراف المجلس، وتأجيل جلساته أسبوعاً وأسبوعين وحتى لمدة شهر، وطلب حل المجلس في كل مناسبة يتخطى حدوده الدستورية حينما يتعسف ولا يقبل المشاورات سبيلاً لحلحلة الأمور.

- عدم السماح لمجلس الأمة باقتحام ميدان المقترحات المالية التي هي ميدان خالص للحكومة، أو إنشاء الهيئات والمؤسسات والشركات إلّا التي تكون بمبادرة من الحكومة.

- أن تكون حكومة ندّية سياسية للمجلس، لا حكومة صفقات وتمرير ابتزازات ومعاملات، وتبحث عن السلامة على حساب البلد، حينئذ تكون حكومة هيبة، ولن يتردد رجال الدولة في أن يصبحوا وزراء من ضمنها.

back to top