تقرير اقتصادي: الأصغر سنّاً... جرس إنذار لـ «الرفاهية الزائفة»

مليون كويتي مواليد ما بعد الغزو العراقي... و42% من الكويتيين دون 19 عاماً
• نواجه تحديات لن يسترها «ضخ الأموال» في التعليم والخدمات وسوق العمل والاقتصاد

نشر في 09-05-2024
آخر تحديث 08-05-2024 | 18:30
محمد البغلي
محمد البغلي

سلّطت الأرقام الرسمية التي نشرتها الهيئة العامة للمعلومات المدنية والإدارة المركزية للإحصاء الأسبوع الماضي، بشأن تطور النمو السكاني، وفقاً لبيانات نهاية عام 2023 الضوء على التحديات التي تواجه الكويت خلال السنوات القادمة.

أرقام متقاربة

فالأرقام التي نشرتها «المدنية - الإحصاء» متقاربة، وهو أمر نادر الحدوث بين المؤسستين، مما يعني صحة الأرقام ودقّتها، حيث تشير إلى أن عدد الكويتيين الذين تقل أعمارهم عن 34 عاماً، أي مواليد ما بعد الغزو العراقي تجاوزوا مليون نسمة (1.034 مليون كويتي)، أي 66 بالمئة من إجمالي عدد الكويتيين البالغ 1.546 مليون شخص، في حين أن عدد مواليد ما بعد سنة 2000 يبلغ 788 ألفاً، وتصل نسبتهم إلى 51 بالمئة من الكويتيين، والفئة الأقل دون سن 19 عاما عددها 658 ألفا، بنسبة 42 بالمئة من الكويتيين، وهذا يعني أن من بين المليون كويتي مواليد بعد عام 1990 لدينا 65 بالمئة منهم مواليد عقب عام 2000.

كم سيكون سعر التعادل لبرميل النفط في ميزانيات السنوات القادمة لتلبية الالتزامات المتصاعدة؟

هذه البيانات ليست أرقاما صمّاء بلا معنى اقتصادي واجتماعي، فهي في حقيقتها تفتح أبوابا من التساؤلات حول إمكانية استمرار «الرفاهية الزائفة» التي سيطرت على البلاد من بعد عام 2001 الذي شهد عودة ارتفاع أسعار النفط من مستويات التسعينيات المنحدرة، والتي تتمثل في تعويض فشل تطوير الاقتصاد وتراجع جودة الحياة وانحدار الخدمات بالإنفاق المالي، حتى وإن كان يترتب عليه انعكاسات تضخمية، بما يطرح أكثر من تساؤل عن كيفية التعامل مع احتياجات الأجيال «الأصغر سناً»، التي تمثّل الغالبية من المجتمع الكويتي خلال السنوات القادمة التي يبدو أنها ستكون أصعب من سابقاتها، وتتطلب مداخيل أعلى في موازناتها من مداخيل العقود الماضية، وتستلزم توفير خدمات أكثر استنزافا لمصروفات البلاد، بغضّ النظر عن تقييم جودتها.

ورغم أن المجتمع الشاب في معظم دول العالم هو عنصر دعم للاقتصاد، فإنه في دولة مثل الكويت لا يمثّل بأي حال من الأحوال انفجارا سكانيا، إنما يعني ضغطا على مالية الدولة وسوق العمل وخدماتها من طرق وسكن وتعليم وصحة، أي أننا ننتظر خلال الفترة من سنة الى 19 سنة ضغطا يوازي 657 ألف مواطن (من الذكور والإناث) في الطلب على التعليم العام والعالي في البلاد (الخاص والعام)، والابتعاث الخارجي، وهو ضغط يشمل الكلفة المالية المتصاعدة، الى جانب الجودة المنخفضة، ليتصاعد الى طلب فرص عمل في قطاع عام لا يكاد يستطيع الاستمرار في رفع تكاليف التوظيف الحكومي الى أكثر من 52 بالمئة من مصروفات الميزانية، وقطاع خاص غير مهيأ لخلق آلاف الوظائف سنويا، فيكفي أننا عندما نتحدث عمن هم دون 24 عاما، فهم يمثّلون 788 ألف مواطن ومواطنة، أي نحو ضعفَي عدد الوظائف الموجودة حاليا في القطاعين العام والخاص معا، وبعد ذلك تكدّس مئات الآلاف من الطلبات الإسكانية، والحاجة إلى خدمات صحية وطرق وكهرباء وغيرها.

تساؤلات أكثر

فكلما زاد الطلب على فرص عمل أو خدمة أو سلعة، صارت التساؤلات أكثر وجوبا: كم سيكون سعر التعادل لبرميل النفط في ميزانيات السنوات القادمة، لتلبية الالتزامات المتصاعدة؟ وما خطط الدولة للعمل على استدامة توفير التعليم العالي والعام بكل أنواعه، فضلا عن جودته؟ وهل سنتمكن من الاستمرار في توزيع الوحدات السكنية بشكل أفقي إلى ما لا نهاية؟ وإلى أي مدى يمكن أن نتلافى الضغط المتصاعد على الطاقة الكهربائية وتكاليفها والمحافظة على انخفاض أسعارها، بالتوازي مع الارتفاع المتوقع لعدد الأسر الكويتية؟ وماذا يعني وجود أكثر من مليون كويتي دون سن الـ 34 عاما على مستقبل التأمينات الاجتماعية؟ وهل من الحصافة أن يستخدم الصندوق السيادي لسد بعض الالتزامات الجارية، حتى وإن لم يكن لها عائد اقتصادي؟

هل يسمح لنا المستقبل بالتهاون مع الفشل التنفيذي من التعثّر في مشروع «الدروازة» إلى ضياع فرصة استراتيجية كميناء مبارك؟!

والأهم من ذلك، الى أي مدى يمكن أن يسمح لنا المستقبل بأن نتهاون مع الفشل التنفيذي في البلاد من التعثّر في مشروع «الدروازة»، الى ضياع فرصة استراتيجية كميناء مبارك؟!

هذه الأسئلة ليست تعبيرا عن نظرة تشاؤمية، بل لحاجة ملحّة في وضع التوقعات والسيناريوهات المتعلقة بالمستقبل، خصوصا في ظل الانكشاف المرتفع على تقلبات أسعار النفط الذي ينفق على كل أوجه الاقتصاد والمجتمع في البلاد، والذي باتت قدرته مع تنامي المصروفات سنويا أقل بكثير من قدرته قبل عقود ماضية في تحقيق فوائض المليارات السهلة، بعدما بات مستقرا فوق الـ 90 دولارا للبرميل.

إدارة مستقرة

ولعل مهمة وضع التوقعات والسيناريوهات للمستقبل هي مهمة إدارة عامة مستقرة لا تتوافر مع الأسف في البلاد، ما دام عمر السلطة التنفيذية أقل من 100 يوم، وحياة البرلمان الواحد لا تتجاوز 6 أشهر.

وضع توقعات وسيناريوهات للمستقبل مهمة إدارة عامة مستقرة لا تتوافر مع الأسف في البلاد

لا شك في أنه بقدر معيّن من الجهد والجدية، سنتمكن من الإجابة عن العديد من التساؤلات السابقة، لكن التساؤل الذي ستصعب الإجابة عنه حاضراً هو: كيف سيكون رأي الجيل الأصغر سنّا في أجيالنا الحالية والسابقة عندما يدفعون ثمن عدم مواجهتنا للفشل التنفيذي والشعبوية الحكومية - البرلمانية، والهدر والإخفاق في السياسات الإدارية والمالية، والإمعان بوضع تصورات وحلول ثبت عدم جدواها؟!

فهذا هو السؤال الذي يجب أن نجتهد بكل ما نستطيع، كي لا تكون إجابته سلبية على الإطلاق.

back to top