خرافة المصلحة الوطنية
عبارات مثل «المصلحة الوطنية... الأمن الوطني... النظام العام والآداب العامة» تجدونها في مدونات قانونية لدول كثيرة، عبارات هلامية تتضخم من غير قيود في دول القمع إلا أن القضاء في دولِ حكم القانون يضع لها حدوداً وقيوداً، ولا يتركها ساحة فضاء تلهو بها السلطة الحاكمة والقوى النافذة.
من السهل توظيف كلمتي «المصلحة الوطنية» الواردتين في المادة ٢٦ من قانون المطبوعات لنسف الحريات الإعلامية وفرض الرقابة على المطبوعات، ويصبح عندها إلغاء الرقابة المسبقة في التعديلات التي أدخلت على قانون المطبوعات للكتب والتي فرح بها الكثيرون يصبح غير ذي معنى، طالما أن مثل تلك العبارات الفضفاضة تخول «مباحث الإعلام» أي مفتشي الوزارة التلصص على المكتبات ودور النشر للإبلاغ عن أي كتاب يتوهمون أنه «ضد المصلحة الوطنية» مثل كتاب د. طارق الربعي عن أدب البدون، وقد كتبت خطأ اسم خالد الربعي في المقال السابق.
مثل هذا الكتاب وغيره حُكِم على ناشريها بالغرامات الباهظة وتمت مصادرة تلك الكتب البحثية حالها من حال المخدرات، فلا فرق كبيراً في دولة «الثقافة الديموقراطية» حسب الابتكار الكويتي بين البحث الأكاديمي وقطعة الحشيش في دول فاقدة الثقة بنفسها ولا تتقبل الصوت الناقد الذي لا ينقاد مع القطيع وثقافة السلطة المحدودة.
موظفو الرقابة في وزارة الإعلام الذين يؤدون «الواجب» المطلوب منهم حسب أوامر السلطة، يصدق عليهم وصف أبتون سنكلير «من الصعب جعل الإنسان يفهم شيئاً، عندما يعتمد راتبه على عدم فهمه».
وحتى يأتي ذلك الوقت الذي يتحرر فيه الفكر من قيود السلطة وقيود التخلف الاجتماعي، ليس على المثقفين الباحثين العضويين ـ بمفهوم غرامشي- الذين عليهم عبء قلب واقع مجتمعاتهم المكبلة بتراثها وسلطاتها، غير مواصلة السير في طريق الشوك حتى يحدث الله أمراً كان مكتوباً.