بقايا خيال: المسلسلات الكويتية والتركية
خلال السنوات الأخيرة أدار الكويتيون ظهورهم عن مشاهدة المسلسلات الكويتية، وأقبلوا على المسلسلات التركية، لأن غالبية الكويتيين يقرون بأن المسلسلات الكويتية التي أنتجت أخيراً لا علاقة لها بقضايا الكويت المصيرية، فالقصة يكتبها في الغالب كتّاب لم يعيشوا في الكويت، ولم يعايشوا القضايا الكويتية إلا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولهذا يبرزون أحداثاً كويتية هامشية ويسلطون عليها الأضواء وكأنها قضايانا، فلا تظهر المجتمع الكويتي بصورته الحقيقية، ولا تناقش المعضلات الاقتصادية أو الانحرافات السياسية أو تراجع الحياة الثقافية، وغالبية مخرجيها مبتدئون وغير كويتيين، أما الممثلون والممثلات فالسواد الأعظم منهم غير كويتيين، لأن المشاهد الكويتي يشعر بذلك من لهجاتهم التي تنزف كلمات عراقية ومصرية وسورية وإيرانية، وعند تفحص الجهات الإعلامية لهذه المسلسلات تكتشف حقيقتها التجارية، فلا تجيز نصوصها، فيتجه المنتجون إلى دول خليجية أخرى لإجازتها والبدء بتصوير مشاهدها في أماكن لا تمت بصلة إلى البيئة الكويتية.
في تركيا ليس مستغرباً أن ترى رجلاً تركياً أنيقاً يمازح عامل نظافة تركيا دون تكلف، لأن عامل النظافة هذا منهم وفيهم، ولأن تركيا تكاد تخلو من عمالة وافدة، ولا تجد أجنبياً هناك إلا السياح، ولهذا تشعر أن بين جميع الأطياف التركية ألفة غريبة حتى إن تعددت الأعراق والأديان، فهذا يبتسم في وجه ذاك، وهذا يمازح ذاك، وهذا يساعد ذاك دون تكلف، والكويتيون المتابعون للمسلسلات التركية يعرفون جيداً أن كل هذه الأعمال التلفزيونية صناعة تركية صرفة لا يدخل في إنتاج أي مشهد منها يد أجنبية أو طاقم غير تركي، فالمؤلف والمخرج والمنتج والمصورون والفنيون والممثلون كلهم من الجنسية التركية، ولا يحتاجون إلى البحث عن موقع مناسب لتصوير مشاهد أي مسلسل، فهناك القرى الصغيرة والفقيرة وهناك الأحياء الراقية، والمناظر الطبيعية الخلابة «على قفى من يشيل»، من جبال خضراء وسهول مزهرة وغابات كثيفة، وعلى المخرج أن يختار ما يشاء من مشاهد تناسب مواقع التصوير.
وصناع هذه المسلسلات التركية أتراك يتحدثون اللغة التركية الأم بطلاقة، وإذا كنت تجيد اللغة التركية لا تشعر من خلال الحوارات أن هناك ممثلين دخلاء على المسلسل بسبب «البدليات اللي يقطونها»، ولأن تركيا دولة مترامية الأطراف، نجد اختلافاً في لهجات سكانها، ولهذا نجد أن المسلسل أو الفيلم الذي تدور أحداثه في الشرق التركي أو في غربه يتحدث الممثلون بلهجة أبطال القصة نفسها، ليذكرونا بالأفلام الأميركية التي يتحدث أبطالها بلكنة جنوبية أو شمالية أو لكنة سكان نيويورك أو سان فرانسيسكو حسب مكان وقوع أحداث القصة، ولأن الطاقم كله من الجنسية نفسها وعاشوا جميعاً بالبيئة الاجتماعية والثقافية والسياسية ذاتها، تشعر بالممثلين وكأنهم يقومون بأدوارهم الحياتية الطبيعية نفسها، فلا تشعر أنهم يمثلون، فأحاسيسهم هي الأحاسيس نفسها التي تراها منبعثة من نفسية رجل الشارع.
أما عندنا فالمسلسلات «المستكوتة» بحاجة إلى غربلة شاملة وتنظيف كامل لإعادة الحياة إليها واستعادة أمجاد الممثلين الكويتيين الحقيقيين الذين كانوا يعرفون الطبيعة الكويتية الأصلية الأصيلة، مثل سعد الفرج وحياة الفهد وخالد النفيسي ومريم الغضبان وعبدالحسين عبدالرضا وسعاد عبدالله وغانم الصالح وعائشة إبراهيم وحسين الصالح وطيبة الفرج وعبدالعزيز النمش ومريم الصالح وعلي المفيدي، وغيرهم كثيرون من الكويتيين الذين أثروا الساحة الفنة خلال فترة ذهبية من عمر الفن الكويتي الأصيل، فأين الممثل الكويتي من أعمال تؤكد وجود الكويتي الحقيقي على الساحة الفنية؟