اتصل بي أحد الأصدقاء لمرافقته برحلة (فش خلق) للشقيقة الكبرى السعودية بحثاً عن الراحة وابتعاداً عن الهموم، وفراقاً للعمل العام، فاقترحت عليه الذهاب الى حايل لما تتمتع به هذه المنطقة من مميزات تاريخية وطبيعة خلابة كالجبال والسهول والوديان ومعالم أثرية تعود إلى ما قبل الإسلام، ولأجواء حايل الربيعية الخلابة، ولأصالة سكانها الذين تميزوا بالكرم وحسن الضيافة والاستقبال، ولسان حالهم يقول لزوار حايل إن حاتم الطائي لم يمت فكرمه وصفاته الأصيلة قد توارثناها جيلًا بعد جيل ولأنني لم أذهب للقاء الأحبة فيها منذ أيام كورونا.

حايل سميت بعروس الشمال لجمال طقسها وتضاريسها وتاريخها، وصفات أهلها النبيلة والكريمة، فجلّ أهلها يتصفون بالكرم وحسن الضيافة، وهذا ما يميزها، وما لاحظه الأصدقاء الذين رافقوني بهذه الرحلة الجميلة التي بدأناها مستقلين سيارتنا عبر الحدود، فتذكرت امرأ القيس، حين قال عن حائل وأهلها:

Ad

أَبَت أَجَأٌ أَن تُسلِمَ العامَ جارَها

فَمَن شاءَ فَليَنهَض لَها مِن مُقاتِلِ

تَبيتُ لُبونى بِالقُرَيَّةِ أُمُّناً

وَأَسرَحَنا غَبّاً بِأَكنافِ حائِلِ

وطوال رحلتنا الى الصديق الشهم الشيخ مفلح الجردان ونحن ننبهر من الطرق ومداخل القرى والمدن التي نمر بها، وكأن القائمين عليها في مضمار سباق ومنافسة لنيل لقب أجمل مدينة أو قرية في المملكة، وعند وصولنا للعزيز «بورائد» الذي أخجلنا بكرمه وحسن ضيافته وملازمته لنا طوال وجودنا في حايل ومحافظتها، فبدأ بتعريفنا بمحافظة الشنان التي أسسها والده الشيخ حجي الجردان الغريري الشمري، رحمه الله، وكيف تطورت حتى أصبحت من أجمل محافظات حايل لقربها من جبال سلمى، ومن قرية فيد الأثرية التراثية، ثم انتقلنا إلى وسط حايل لنصعد مرقاب حاتم الطائي، وهو أعلى قمة في جبال أجا، كان منارة لكل عابر سبيل، ونيشان لكل مارٍ بحايل، ولسان حاله يقول «يا الله حيه» وهي مقولة ما زالت على لسان أهل حايل لكل غريب أو زائر لهم.

حايل يا بعد حيي، أصبحت معلما من معالم المملكة العربية السعودية الشقيقة، ووجها للسياح لجمال روح أهلها وما تلهج به ألسنتهم وجميل معالمها وتاريخها وأجوائها، فواكبت رؤية الأمير محمد بن سلمان كبقية الأماكن الأخرى، وأصبحت مقصداً للسياح والزائرين والباحثين، فتجد في حايل مجاميع من الأوروبيين وكأنهم المستشرقون القدامى الذين وثّقوا تاريخ حايل ونجد من قبل، كما تجد من الخليجيين والعرب والآسيويين أعداداً كثيرة يستمتعون بأجوائها الربيعية وطبيعتها الجيولوجية وآثارها التاريخية.

يعني بالعربي المشرمح:

كانت رحلة جميلة ورائعة، كنا نقصد بها الابتعاد عن همومنا وهموم البلد، لكن ما شاهدنا من طرق ونظافة وديكورات لمداخل المدن والقرى وتزيين لشوارعها واهتمام بالتشجير والزراعة على جوانب الطرق ووسطها، جعلنا نتذكر أشجارنا التي ماتت واقفة، وطرقنا التي ترهلت وأصبحت سبباً في تلف مركباتنا ومبانينا التي أكل الدهر عليها وشرب، وجامعاتنا التي أصبح الطلاب والطالبات يفكرون بزحمة الوصول لها قبل أن يفكروا بدراستهم، فهنيئاً لأشقائنا في السعودية متمنين لهم المزيد من التطور والرخاء والاستقرار، وندعو الله لوطننا أن يلحق بركب التطور والازدهار الذي واكب دول الخليج، ونقول لحايل وأهلها يا بعد حيي.