حين أشاهد صهيونياً كوهينياً أو غير كوهيني يبرر للجرائم التي ترتكبها دولة بني صهيون بحق أهل غزة فإني لا أستغرب ذلك ممن يعج تراثه بالجرائم الكبرى، لكنني أستغرب أن يتصهين غير الصهيوني ليس لعلة أو سبب سوى أنه ينضح بالذي فيه من (رخص ونقص)، ولذلك فإني أرى الفرق بين الصهيوني والمتصهين يتمحور بين أصالة الصهيوني وقلة أصل المتصهين أو رقاعته، فالصهيوني يعمل بأصله والمتصهين خسر أصله ولم يلتحق بأصل جديد، فعاش وسيعيش بلا أصل.

ولأن فطرة الإنسان هي القويمة لا الصفات المكتسبة بمرور العمر، فإننا ومنذ الصغر كنا نتعاطف مع الأميركيين السود أمام العنصرية البيضاء، ونتعاطف مع ما ذكره التاريخ من قصص الضحايا في جزر المحيطين الجنوبي والغربي الذين أبادهم جيمس كوك وماجلان وكولمبوس وبقية المستكشفين الأوروبيين، فنتعاطف مع كل ضحية بغض النظر عن عرقه أو دينه ونكره كل مجرم بغض النظر عن عرقه أو دينه.

Ad

ولذا فليس مستغرباً أن يتظاهر الأوروبي والأميركي المسيحي واليهودي، وتثور الجامعات الأميركية احتجاجاً على تعرض أهل غزة لجريمة الإبادة الحالية، لكن المستغرب أن يبرر العربي المسلم جريمة بني صهيون سواء بالتصريح أو بالتلميح أو بتوزيع الاتهامات شمالاً ويميناً كمحاولة إيجاد شركاء للقاتل من أجل إهدار دم القتيل بتوزيع الجريمة بين الجميع لتذهب دماء الضحايا هدراً.

وإني لأستغرب كيف كان هدير أصوات الجماهير العربية يصل إلى أقصى شمال الكوكب وجنوبه، وأقصى شرقه وغربه، أيام العدوان الثلاثي على مصر، وكيف اهتز ضمير الأمة كاملاً حين ارتكب الصهاينة وعملاؤهم في لبنان مجزرة صبرا وشاتيلا، ولكن وبعد ثلاثة عقود وأمام مجزرة غزة الحالية التي تجاوزت وحشيتها كل المجازر، صُدمنا من بلادة المجتمعات وغض طرفها، وكأن الأمر لا يعنيها، إنه السؤال الكبير الذي فرضه أهل غزة علينا: ماذا دها الشعوب العربية؟ وما عدا مما بدا؟

يا إلهي، فقد صحونا من سباتنا على صرخات الحق الفلسطيني، لنكتشف للتو أننا مررنا بعملية تلاعب بالعقل الكلي لمجتمعاتنا وبطريقة الجراحات الكبرى ذات البنج الكامل، حتى وصلنا إلى هذه البلادة المجتمعية التي تثور فيها الجامعات الأميركية والأوروبية، ونكتفي نحن بإبداء الإعجاب بها همساً حتى لا يرانا راءٍ ولا يسمعنا سامع ولا يشعر بنا مستشعر، ففي عز القتل الصهيوني لأهلنا الغزاويين انشغل شبابنا بفوز ريال مدريد على برشلونة بالدوري الإسباني وخروج برشلونة على يد الـ«بي إس جي» في دوري الأبطال.

إن هذه المجتمعات كانت ضحية تحالف القوى السياسية والفكرية الصاعدة في سبعينيات القرن الماضي وثمانيناته مع الحكومات العربية في تلك الفترة والفترات التي لحقتها، ولولا طوفان الأقصى الذي أوقع مفكري الغرب في صدمة الفشل السريع للنظام العالمي الجديد الذي بالكاد بدأ، ودخول نظام عالمي أكثر جدةً وأكثر حداثةً يقوده مجتمع الجامعات الأميركية والموالين له من سكان هذا الكوكب، والذي سينتشر بطريقة أتوقع أنها ستكون أسرع من إبر التخدير الماسونية والمطبلين لها دون وعي.