في نسختها السابعة عشرة كشفت لجنة التحكيم لجائزة البوكر العربية لعام 2024م عن اسم الرواية الفائزة وهي «قناع بلون السماء» للكاتب «باسم خندقجي» وسط استحسان وتصفيق الحاضرين، إلى هنا لا شيء يدعو للاستغراب على الإطلاق، ولكن بما أن اسم الكاتب جديد على مسامع الكثيرين فوجب البحث والتقصي ليتضح بعده أنه أسير فلسطيني يقبع في سجون الاحتلال منذ عام 2004م حتى هذه اللحظة.
بغض النظر عن أصل الكاتب، وبعيداً جداً عن التعاطف العربي والدولي الذي يجتاح العالم حالياً على خلفية أحداث غزة المتصاعدة، راق لي وشد انتباهي وأثار فضولي الحضور الذهني الذي قاد الكاتب لكتابة رواية متكاملة الأركان، ولدت في الأسر وخرجت لتتوج على المنصة، فالأمر ليس هيناً وأنت حر طليق فما بالك وأنت مسجون؟! عندما قرأت الخبر تبادر لذهني تساؤلات خاطفة! أولها ما أصداء هذا النجاح على نفس الكاتب؟ هل انتابه شعور بالفرح؟! فبحسب علمي أن الفرح لا يزور السجون، فهو مولع بالحرية، وهل كلمة «مبروك» ستضيف فعلاً إلى روح الكاتب الرضا والبهجة؟! وهل السجان صاحب السلطة سيتخذ خطوة معادية إزاء هذا الفوز؟! معادلة صعبة، فوسط انبهاري بالإنجاز أجد نفسي آسى لحال الكاتب ليس لأنه معتقل فقط، بل لأنه مقيد حتى من الشعور بلذة الانتصار، شعور مبتور، أعرج، أكتع، أعور، سمّه ما شئت! فأنا أرى أن كل القيم الإنسانية وما يصاحبها من مشاعر ستظل دائماً وأبداً ناقصة ما لم نتنفس الحرية.
في الحقيقة الرواية لم تصل الى يديّ حتى هذه اللحظة، ولا أعرف تحديداً ما تدور حوله أحداثها، ولا أدرى إن كنت سأعجب بها أم لا، ورغم معرفتي المتواضعة بأن هناك سجناء عبر التاريخ القديم والمعاصر دونوا أشهر مؤلفاتهم في السجن من ضمنهم علماء مسلمون كابن تيمية، وقتلة محكوم عليهم بالإعدام ككارل تشيسمان، وكثيرين غيرهم ممن استطاعوا الإقلاع بجدارة من واقعهم المزري التعيس، واختاروا الإبحار بين الحبر والورق، إلا أن الفرق هنا في عنصر الزمان، ففوز سجين بجائزة أدبية يمثل سابقة مدهشة وأخاذة بالنسبة لي شخصياً، فأنا شاهدة على الحدث حية أرزق.
يقول عبدالحليم حافظ في أشهر أغانيه «الناجح يرفع إيده»، فحق كل ناجح أن يرفع يده عالياً ليراها العالم بأسره حتى إن كانت من وراء القضبان.