من صيد الخاطر: «جارٌ كجارِ أبي دُوَاد» من صيد الخاطر
«جارٌ كجارِ أَبي دُواد»، مثل عربي يُضرب للجار البار بجاره، والمعْني بهذا المثل هو كعب بن أمامة، فقد عُرف عنه بِرّه بجاره، فإن جاوره رجل ومات وَدَاه، وإن هلك له بعيرُ أو شاة أخْلَفَ عليه، فجاوره الشاعر جارية بن الحجاج الإيادي، وهو أحد شعراء الجاهلية، والمعروف بأبي دُوَادٍ الْحُذَاقِيِّ، فرأى من كعب ما رآه من سبقه، فأشهره، وأصبح مثلاً يُضرب به عند العرب في حسن الجِوار، وقالوا فيمن تأسى بأخلاقه: إنه «جارٌ كجارِ أَبِي دُوَادٍ».
وقال فيه قيس بن زهير:
أطَوِّفُ ما أطَوِّفُ ثم آوِي
إلى جَارٍ كجَارِ أبي دُوَادٍ
وقال فيه طَرَفَة بن العبد:
إنِّي كَفَانِيَ مِنْ أمْرٍ هَمَمْت بِه
جار كَجَارِ الْحُذَاقِيِّ الَّذِي اتَّصَفَا
والأحاديث النبوية الشريفة التي تحث على حسن الجوار كثيرة، ومنها «مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»، و«خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره»، و«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، أو فليكرم جاره»، وقال عليه السلام وهو يُحدّث أصحابه: «والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: من يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه»، أي غوائله وشروره. وقال: «إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، ثم انظر أهل بيت من جيرانك فأصبهم منها بمعروف».
أما لقمان الحكيم فقال عن جار السوء: حملت الجندل والحديد وكل شيء ثقيل، فلم أحمل شيئاً هو أثقل من جار السوء، وذقت المرار فلم أذق شيئاً هو أمر من الفقر.
وقال خليل مطران في ذلك:
من كان جار السوء يوماً جاره
عُدّت فضائله من الأوزار
وهناك أمثلة شرقية وحتى غربية تُحذّر من جار السوء، فقالت العرب: الجار قبل الدار، والرفيق قبل الطريق، أما الألمان فقالوا: استفسر عن الجار قبل أن تشتري داراً، وقد أكرمني الله شخصياً بجيران كجار أبي دُوَادٍ، وما أكثرهم.
اللهم ارزقنا بجارٍ، نأمن شره، ونركن إليه ونثق به وقت الشدة، وأبعد عن منازلنا وعن ديارنا جار السوء، واكفنا شره، ورد كيده إلى نحره.