سمو الأمير: أمرنا بحل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن 4 سنوات
أمر حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه مساء اليوم الجمعة بـ«حل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية».
جاء ذلك في خطاب ألقاه سموه مساء اليوم.. فيما يلي نصه:
«بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله جل في علاه.. خلق الإنسان واجتباه.. وإلى السعي والعمل دعاه.. والصلاة والسلام على رسوله ومصطفاه محمد بن عبدالله وعلى آله وأصحابه ومن والاه.
يقول الله جل علاه في كتابه الكريم
(بسم الله الرحمن الرحيم
أطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم.
صدق الله العظيم).
أبناء وطني الكرام، ، ،
مرت الكويت خلال الفترة الماضية بأوقات صعبة كان لها انعكاساتها على جميع الأصعدة مما خلق واقعاً سلبياً وجب علينا كمؤتمنين على هذه الدولة وشعبها الوفي أن نقدم النصح تلو النصح والإرشاد تلو الإرشاد لنخرج من هذه الظروف بأقل الخسائر الممكنة ولكن مع الأسف واجهنا من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تصوره أو تحمله وسعى البعض جاهداً إلى غلق كل منفذ حاولنا الولوج منه لتجاوز واقعنا المرير مما لا يترك لنا مجالاً للتردد أو التمهل لاتخاذ القرار الصعب إنقاذا لهذا البلد وتأمينا لمصالحه العليا والمحافظة على مقدرات الشعب الوفي الذي يستحق كل تقدير واحترام.
شعب وطني الكريم، ، ،
إن ديمقراطية الحكم كأسلوب حياة وعمل تفرض قدراً واسعاً من تنظيم السلطات العامة وتوزيع أدوارها ضمن رؤية واضحة تحقق الهدف منها وهذه الرؤية تفرض العديد من الضوابط على السلطتين التشريعية والتنفيذية ضمان تقيدها بأحكامه، هي ضوابط آمرة لا تبديل فيها ولا مهرب منها وليس لأي جهة أو سلطة أن تبغى عنها حولاً أو تنتقدها من أطرافها أو تسعى للتحلل منها بل هي باقية نافذة لتفرض كلمة الدستور على المخاطبين بها ولتكون قواعده ملجأ لكل سلطة وضابطاً لحركتها وتصرفاتها على اختلافها ومرتكزا لتوجيهاتها.
لقد لمسنا خلال الفترات السابقة بل وحتى قبل أيام قليلة سلوكاً وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة، فهناك من هدد وتوعد بتقديم الاستجواب لمجرد أن يعود أحد الوزراء إلى حقيبته، وآخر اعترض على ترشيح البعض الآخر متناسين جهلاً أو عمداً أن اختيار رئيس الحكومة وأعضائها حق دستوري خالص لرئيس الدولة ولا يجوز لأحد اقتحام أسواره أو الاقتراب من حدوده أو التدخل في ثناياه، بل وصل التمادي إلى حدود لا يُمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تشكله من هدم للقيم الدستورية وإهدار للمبادئ الديمقراطية التي ارتضيناها جميعاً طريقاً هادياً لتحقيق المصلحة العامة فنجد البعض مع الأسف الشديد يصل تماديه إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير ويتدخل في اختياره لولي عهده متناسياً أن هذا حق دستوري صريح وواضح وجلي للأمير، ومتى ما زكى الأمير أحدهم لولاية العهد يأتي دور السلطات الأخرى كما رسم لها الدستور اختصاصها وليس قبل ذلك بأي حال من الأحوال.
ولا بد أن أشير كذلك إلى أن مصادر الثروة الوطنية لا يجوز التفريط فيها أو استخدامها على وجه يستنزف مواردها ويعطل مصالح الأمة عن طريق اقتراحات تهدر المال العام ولا تحقق الصالح العام وإنما يجب أن تعمل هذه الاقتراحات في خدمة الاقتصاد الوطني وفي إطار خطة التنمية.. يا أهل الكويت الكرام.
إن الجو غير السليم الذي عاشته الكويت في السنوات السابقة شجع على انتشار الفساد ليصل إلى أغلب مرافق الدولة بل ووصل إلى المؤسسات الأمنية والاقتصادية مع الأسف بل ونال حتى من مرفق العدالة الذي هو ملاذ الناس لصون حقوقهم وحرياتهم ليبقى دائماً مشعلاً للنور وحامياً للحقوق وراعياً للحريات ونحن على يقين تام أن القضاء قادر بإذن الله تعالى على تطهير نفسه على يد رجاله المخلصين وتوفيق من الله تعالى لهم في مهمتهم النبيلة هذه.
ويجب أن يعلم الجميع أن لا أحد فوق القانون فمن نال من المال العام دون وجه حق سوف ينال عقابه أياً كان موقعه أو صفته، لن أسمح على الإطلاق أن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة لأن مصالح أهل الكويت التي هي فوق الجميع أمانة في أعناقنا علينا واجب صونها وحمايتها.
وكما حرص حكامنا السابقون على تثبيت دعائمها وسلموا رايتها لنا فسيكون همنا وواجبنا كذلك أن نسلم راية الديمقراطية إلى من يأتي من بعدنا خفاقة عالية في سمائنا.
ولا يفوتني أن أشير كذلك إلى تصرفات بعض الحكومات التي مررت مخالفات وتجاوزات جسيمة نتيجة للضغط النيابي أو اجتهادات غير موفقة أو مدروسة ما انعكس سلباً على المصلحة العامة حتى وجدنا من أدين بالخيانة حراً طليقاً نتيجة لهذه الممارسات غير المقبولة.
ولن أسمح على الإطلاق أن يتكرر ذلك تحت أي ظرف من الظروف.
كما لابد أن أوضح بشكل لا لبس فيه أو غموض أن الأمن مسألة في غاية الأهمية وسوف نولي جل اهتمامنا لتحقيق هذه الغاية فنعيد النظر في قوانين الأمن الاجتماعي أولاً، فمن دخل البلاد على حين غفلة وتدثر في عباءة جنسيتها بغير حق ومن انتحل نسباً غير نسبه أو من يحمل ازدواجاً في الجنسية أو وسوست له نفس أن يسلك طريق التزوير للحصول عليها واستفاد من خيرات البلاد دون حق وحرم من يستحقها من أهل الكويت.
فالدولة تقوم على دعامتين أساسيتين الأمن والقضاء.. فكل هذه الظواهر السلبية لن تبقى وسوف يُعاد النظر فيها وفقاً لخطوات مدروسة متأنية يتولاها رجال ثقات من أهل الكويت.
تحية عطرة لرجال الأمن الذين يسهرون على حماية مصالح الشعب ويحملون على أكتافهم صون الأمن في بلدنا ولكي ينام المواطن قرير العين وهو يعلم أن هناك من يسهر على أمنه وحريته.
ودعوني أقولها لكم بكل صراحة أن احترام رجال الأمن هو من احترام نظام الحكم ولن أسمح على الإطلاق المساس بهيبتهم واحترامهم أثناء أدائهم لواجباتهم الرسمية.
أبناء وطني الكرام،،
لقد حرص أهل الكويت المؤسسون للديمقراطية على إيجاد دستور يخدم مصالح الأمة ويرعى حقوق وحريات الشعب ولم نجد منهم في مناقشاتهم في المجلس التأسيسي أو في المجالس التي تلت ذلك إلا قمة الاحترام في الخطاب والرقي في ممارسات الوسائل الدستورية المتاحة لهم في مكانها السليم أو زمانها الصحيح ولكننا نرصد الآن عكس كل ذلك فهنالك إساءة بالغة في استخدام هذه الوسائل وفي أسلوب الخطاب الذي لا يتفق مع عادات وتقاليد أهل الكويت الطيبين الأصليين وغدت قاعة عبدالله السالم بدلاً من أن تكون مكاناً لممارسة ديمقراطية حقيقية سليمة أصبحت مسرحاً لكل ما هو غير مألوف وغير مستحب أو مقبول من الألفاظ والعبارات ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تعدى إلى الإفراط في استخدام حق الاستجواب في كل صغيرة وكبيرة مما أهدر القيمة الحقيقية لهذا الحق بوصفه أداة راقية للمساءلة والمحاسبة وليس وسيلة للابتزاز والتهديد أو طريقاً للحصول على مكاسب أو منافع شخصية فليس لهذه الأغراض أقر الدستور أداة الاستجواب وإنما نص عليها لتكون وسيلة للإصلاح وتقويم الاعوجاج إن وجد وبغير ذلك تفقد هذه الأداة الراقية قيمتها ودوافع تقريرها ومن الواجب علينا أن نعلن رفضنا لكل هذه الممارسات وأن نضع حلاً لها بما ينهيها ليعود لقاعة عبدالله السالم بهاؤها ورمزاً للديمقراطية المعبرة عن شعور أهل الكويت والمتفق مع عاداتها وتقاليدها الأصيلة التي تقدر وتحترم الكبير وتستمع لوجهات النظر الأخرى لا أن تكون ساحة لمعارك كلامية غير مقبولة أو ممارسات غير دستورية خارجة عن نطاق المنطق والعقل.
إخواني وأخواتي أهل الكويت الطيبين،،،
اضطراب المشهد السياسي في البلاد وصل إلى مرحلة لا يمكنني السكوت عنه، إن الواجب يفرض علينا أن نبادر إلى اتخاذ جميع الوسائل الضرورية لتحقيق المصلحة العليا للبلاد.
وأشير هنا إلى ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية.
فبعد تعيين رئيس مجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة تم التواصل مع عدد من أعضاء مجلس الأمة لتأمين مشاركة البعض منهم في تشكيل الحكومة امتثالاً والتزاماً بأحكام المادة 56 من الدستور ومع ذلك وحرصاً على إتاحة كل الوقت الممكن لتشكيل الحكومة رغم كل العراقيل التي وضعت فقد أصدرنا المرسوم رقم 67 لسنة 2024 بتأجيل اجتماعات مجلس الأمة لدور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الثامن عشر إلى يوم الثلاثاء الموافق 14 مايو 2024 إعمالاً لنص المادة 106 من الدستور إيذاناً لبدء مرحلة جديدة من التعاون الإيجابي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والعمل المشترك لتحقيق الإصلاح المنشود والإنجاز المأمول تلبية لطموحات وآمال المواطنين الذين يتطلعون لغد أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل لوجود تداعيات أسفرت عن عدم استكمال تشكيل الحكومة في ظل ما صدر من عدد من أعضاء المجلس من تباين تجاه الدخول في التشكيل الحكومي ما بين إملاءات وشروط البعض للدخول فيها حيث اشترط بعضهم شغل حقائب معينة بأعداد لا يُمكن قبولها كما فرض بعضهم أسماء محددة مما وضعنا أمام موقف دستوري لا بد من العمل على معالجة أسبابه والحيلولة دون تكرارها في المستقبل حرصاً على مصالح البلاد والعباد.
أبناء وطني الكرام،،،
إن الدستور بوصفه وثيقة تقدمية تستجيب لمتطلبات الحياة ومتغيراتها يجد متنفسه بانسجامه مع الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية السائدة في المجتمع لابد له من التوافق مع الظروف المستجدة في قدرته على استيعابها ليكون منفذاً له في الاستمرار كأداة تحكم واقع المجتمع وتكويناته فإذا ما أغلقت كل المنافذ في وجهه فلا يُمكن له القيام بدوره المنشود كما يرتضيه الشعب وقيادته ويصبح من الواجب التدخل وقبل فوات الآوان لتصحيح المسيرة ومعالجة الاعوجاج وسد النواقص التي كشف عنها التطبيق العملي لنصوصه طوال 62 عاماً الماضية دون تعديل لا سيما وأن المسار التاريخي الذي استمد منه الدستور الكويتي مواده وأحكامه إما أن ألغيت تماماً أو شهدت تعديلات عديدة على نصوصها لتستجيب للمتغيرات التي حدثت في تلك المجتمعات علماً بأن الدستور الكويتي سمح بتعديله وإعادة النظر في أحكامه بعد مرور 5 سنوات من العمل به مما يدل على حصافة أعضاء المجلس التأسيسي وبعد نظرهم.. فكيف يجمد تعديل الدستور وهو يسمح بإعادة النظر بأحكامه؟..ولأجل تحقيق هذا الهدف في وقف الانحدار والحيلولة من أن نصل إلى مرحلة الانهيار.. لذلك أمرنا بالآتي:
- حل مجلس الأمة ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية ورفع نتائج الدراسة والمراجعة لنا.. لاتخاذ ما نراه مناسباً.