غداة انتهاء آخر جولة من المحادثات الحضورية بشأن اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين دون التوصل إلى تفاهم لوضع حد للحرب المتواصلة منذ 219 يوما، أطلق الجيش الإسرائيلي موجة جديدة من العمليات العسكرية الثقيلة والغارات الجوية بعموم مناطق قطاع غزة، وأمر بتوسيع حملته في شرق رفح، معلنا أنه تم إجلاء أكثر من 300 ألف شخص منها، وسط تقديرات عبرية باستمرار عملياته في المدينة الحدودية مع مصر لمدة قد تمتد إلى شهرين.
وبعد إعلانه عن نزوح أغلب سكان أحياء شرق ووسط رفح المكتظة بنحو 1.4 مليون فلسطيني، دعا الجيش المزيد من سكان أحياء رفح إلى المغادرة باتجاه وسط القطاع، كما دعا جميع السكان والنازحين الموجودين في منطقة جباليا وأحياء السلام والنور وتل الزعتر ومشروع بيت لاهيا ومعسكر جباليا وعزبة ملين والروضة والنزهة والجرن والنهضة والزهور إلى التوجه فوراً إلى منطقة المآوي غرب مدينة غزة، مركز القطاع الذي يحمل الاسم نفسه، أمس، حيث أعادت «حماس» تنظيم صفوفها بشمال القطاع.
ودارت اشتباكات عنيفة في أنحاء القطاع بين القوات الإسرائيلية والفصائل الفلسطينية، ما أدى إلى مقتل 4 جنود. وفيما قُتل ما لا يقل عن 19 شخصا، بينهم ثماني نساء وثمانية أطفال، في ثلاث غارات مختلفة خلال الليل على وسط القطاع استهدفت بلدات الزوايدة والمغازي ودير البلح، قالت وزارة الصحة الفلسطينية إن ما لا يقل عن 34971 قتلوا وأصيب 78641 آخرين منذ بدء الحرب، مضيفة أنه تم العثور على ما يزيد على 520 جثة في سبع مقابر جماعية في مستشفيات القطاع حتى الآن.
لا حل سحرياً
وفي وقت تعول حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تشديد الضغوط الميدانية لتحقيق مكاسب بأي صفقة مستقبلية، وتؤكد تمسكها بالقضاء على حكم الحركة الإسلامية للقطاع، أفادت تقارير عبرية بأن تقديرات الجيش تفيد بأنه لا يوجد حل سحري للقضاء على «حماس» برفح، حتى إذا توسعت الحملة العسكرية للقضاء عليها، وان الحركة لن تخرج من رفح حتى لو شن هجوم واسع في المنطقة.
في المقابل، نشرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ «حماس»، مقطعاً مصوراً لأحد المحتجزين الإسرائيليين في غزة يدعى نداف بوبلويل، (51 عاما)، تظهر آثار كدمات على إحدى عينيه، مشيرة إلى أنها ستكشف مصيره لاحقاً، وحذرت من أن استمرار احتلال إسرائيل لمعبر رفح وإغلاقه لليوم الخامس على التوالي ينذر بوقوع كارثة وانتشار المجاعة بأرجاء المنطقة المعزولة.
وبينما تحدثت أوساط حكومية عبرية عن إمكانية توقف العمليات العسكرية بأي لحظة في حال توصل الطرفان إلى اتفاق لتبادل الأسرى، قالت الدوحة، التي تمارس دور الوساطة مع القاهرة وواشنطن بين طرفي النزاع، إنها تستعد لاستقبال جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و«حماس» خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأفيد بأن رئيس الوزراء القطري محمد عبدالرحمن دعا خلال اتصالين هاتفيين رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل، ومدير المخابرات الأميركية وليام بيرنز، إلى استئناف المفاوضات في الدوحة.
احتجاج مصري
من جانب آخر، نقلت قناة «كان 11»، التابعة لهيئة البث الإسرائيلية، عن مصدر مصري مطلع لم تسمه، أن الموقف الأميركي المتشدد ضد إسرائيل بشأن رفح، وتأخير شحنات الأسلحة، يرتبط جزئياً باحتجاج مصر لدى الولايات المتحدة على سلوكيات تل أبيب في الأيام الأخيرة بشأن العملية العسكرية في جنوب القطاع والسيطرة على معبر رفح، خصوصا ان واشنطن هي الضامن لاتفاق السلام بين البلدين.
وتزامن ذلك مع حديث مصادر عن زيادة دوريات قوات حرس الحدود المصرية عند المناطق المتاخمة للقطاع الفلسطيني وتأكيد القاهرة على رفضها لمنع إسرائيل إدخال المساعدات عبر معبر رفح أو تهميش دوره ونقله إلى معبر كرم أبوسالم الإسرائيلي.
وأمس الأول، قالت وزارة الخارجية الأميركية إنه «من المنطقي الاعتقاد» بأن إسرائيل انتهكت القانون الإنساني الدولي في غزة، لكن واشنطن لا يمكنها أن تخلص إلى ذلك بشكل قاطع وستواصل تسليم أسلحة إلى هذا البلد.
وعكست المواقف الأميركية الأخيرة من إدارة إسرائيل للحرب التي تهدد باندلاع نزاع إقليمي أوسع، توجها نحو وضع «خطوط حمراء جديدة»، لم يسبق لإدارة الرئيس الديموقراطي جو بايدن التعامل وفقها، منذ بدء القتال.
«دولة مراقب»
من جهة ثانية، صدرت ردود فعل دولية وعربية مرحبة باعتبار غالبية ساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، 143 صوتا مقابل تسعة أعضاء، بما في ذلك أميركا وإسرائيل، وامتناع 25 عضوا، أن للفلسطينيين الحق في عضوية كاملة في المنظمة الدولية.
وقررت الأغلبية الدولية منح الفلسطينيين، أمس الأول، بعض الحقوق الإضافية، وضع دولة غير عضو لها صفة مراقب، في ظل غياب انضمام فعلي عرقلته الولايات المتحدة باستخدامها حقها في النقض (فيتو) في مجلس الأمن. وأثار هذا التصويت الرمزي غضب إسرائيل، وأكد وزير خارجيتها يسرائيل كاتس أن الخطوة تبعث رسالة إلى «حماس» مفادها أن «العنف يؤتي ثماره».
في المقابل، اعتبر وزيرة الخارجية الأسترالية بيني وونغ، أمس السبت، أن دعم أستراليا للمسعى الفلسطيني للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة هو جزء من بناء القوة الدافعة لتأمين السلام في الحرب بين إسرائيل و«حماس»، وأعلنت الخارجية السعودية ترحيبها بالقرار الأممي الذي جاء وفقا للمادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.
كما اعتبر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أن تأييد العضوية الكاملة لدولة فلسطين «يثبت أن إسرائيل أصبحت دولة منبوذة» مع تواصل عدوانها الهجمي على 2.3 مليون فلسطيني في غزة.
الإمارات والإدارة المدنية
من جهة أخرى، وجهت الإمارات ضربة إلى مخطط نتنياهو الرامي للاستعانة بتحالف إقليمي لإدارة غزة.
وفي حسابه على منصة «إكس»، كتب وزير الخارجية الإماراتي عبدالله بن زايد: «تستنكر دولة لإمارات تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي حول دعوة الدولة للمشاركة في إدارة مدنية لقطاع غزة القابع تحت الاحتلال الإسرائيلي».
وأضاف بن زايد: «تؤكد الإمارات أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لا يتمتع بأي صفة قانونية لاتخاذ هذه الخطوة، وترفض الدولة الانجرار إلى أي خطة تهدف إلى توفير الغطاء للوجود الإسرائيلي في القطاع»، متابعا: «تشدد الإمارات على أنه عند تشكيل حكومة فلسطينية تلبي آمال وتطلعات الشعب الفلسطيني الشقيق وتتمتع بالنزاهة والكفاءة والاستقلال، فإن الدولة ستكون على أتم الاستعداد لتقديم كل أشكال الدعم لتلك الحكومة».
في سياق آخر، أعلنت رئاسة جنوب إفريقيا أنها طلبت من محكمة العدل الدولية إصدار أمر عاجل بحماية الفلسطينيين بعد هجوم إسرائيل على رفح، ووقف الهجوم العسكري على المدينة فوراً، ودعت المجتمع الدولي وحلفاء إسرائيل إلى «عدم غض الطرف عن الإبادة الجماعية المستمرة» فيما اشادت أطراف فلسطينية بانضمام ليبيا الى القضية.