نعم للحل... ألف للديموقراطية
حل مجلس الأمة لا يعني إلغاء النظام الديموقراطي، وتعليق المادة 107 من الدستور لا يعرّض أو يجيز المساس ببقية المواد... بل إن الأمر الأميري الذي صدر أمس الأول، وإن كان تعليقاً لبعض المواد، أو ما يعتبره البعض «مساساً» ببعص مواد الدستور، فهو في الوقت ذاته أضفى الحصانة والصيانة لبقية المواد. وما يعنينا هنا هو مبادئ الحرية والمساواة التي حرص الأمر الأميري على استمرار صيانتها واحترامها عبر التزامه بالمادة 174 التي لم يشملها التعليق، بمعنى أن تنقيح الدستور المقترح لن يمسّ الحرية والمساواة التي حمتها ومنعت تنقيتها المادة 174 إلا إلى الأفضل.
لا يمكن لأي عاقل منصف إلا أن يعترف بأن مجلس الأمة في العقود الأخيرة أصبح عبئاً على النظام الديموقراطي ومشوّهاً له، بالإضافة إلى أنه أصبح حجر عثرة ثقيلاً في طرق التنمية وعائقاً أساسياً لكل تطور أو تمدّن يتطلبه نمو البلد ويفرضه تغيّر الأزمنة والظروف، بل إنه من الإنصاف الإشارة إلى أن أغلبية أعضاء مجلس الأمة تولوا جر البلاد بعناد إلى الخلف، وعملوا بإصرار، بل وبعنف، على العودة بالكويت إلى الأزمان التي تجاوزها التاريخ، وإلى ظروفها الاجتماعية والسياسية التي لفظتها الشعوب المتنورة والمتقدمة.
بالإضافة إلى تحوّل مجالس الأمة إلى أداة نهب وتبديد للثروة الوطنية عبر تسابق النواب على تقديم مطالب واقتراحات نهب الاحتياطي وتوزيع الدخل بلا حساب على الناخبين، وهو ما أشار إليه بوضوح الأمر الأميري أمس الأول.
كما كان واضحاً أن المجلس الحالي أو - بحمد الله - الأخير، كان جريئاً، بل لا نتجنّى إن قلنا بذيئاً في التطاول على الاختصاصات الأميرية، سواء في تعيين ولي العهد أو اختيار الوزراء... لذلك فإنّ حل المجلس وتعليق جميع المواد الدستورية المتعلقة بأعماله أو وجوده كان أمراً مستحقاً منذ زمن... ونشكر اليوم صاحب السمو شكراً جزيلاً على إنجازه.
وتبقى العودة إلى رأس المقال، وهو أن تعليق المواد الخاصة بأعمال مجلس الأمة لا يعني تعليق الدستور كله، وحل المجلس لا يستتبعه التخلي عن الديموقراطية أو أصول وقواعد الحكم الدستوري، كما أنه لا يعني بالذات تكميم أفواه المواطنين أو خنق حرية التعبير.
بل نحن نتطلع اليوم إلى مزيد من الحرية وإلى انفتاح سياسي واجتماعي أكبر، فبرأينا، ومن خلال ممارستنا السابقة، فإن مجلس الأمة وأغلبيته المتخلفة هي التي كانت وراء تحجيم الفكر وتقييد الحريات ومصادرة الآراء، كما أن مجلس الأمة وأعضاءه، لا الحكومات السابقة، هو من أقرّ بل واقترح القوانين المقيدة للتفكير والمعطلة للحريات.