يسعى لبنان إلى أن يضع نفسه على خريطة التفاوض الدولي بما يتخطى المفاوضات التي تنتظر انتهاء الحرب على غزة، وانعكاسها على الجبهة اللبنانية. صحيح أن الاهتمام الدولي يتركز على منع التصعيد في الجنوب بين «حزب الله» وإسرائيل، ولكن أيضاً هناك قناعة دولية بأن المواجهات قد لا تتوقف قبل الوصول إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

وبحسب مصدر لبناني نيابي كان في عداد الوفد الذي زار الولايات المتحدة، فقد أشار المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين خلال استقبال الوفد إلى قناعته بأن «حزب الله» لن يوقف القتال، وأنه لابد من انتظار تطورات غزة. رغم ذلك بدا هوكشتاين واثقاً من قدرته على إنجاز اتفاق حول الجنوب يتضمن ترسيم أو تحديد الحدود البرية، في تكرار لنموذج نجاحه في ترسيم الحدود البحرية.

Ad

واعتبر المبعوث الأميركي أنه حاليا يتم تحضير الأرضية لاتفاق يتضمن 3 مراحل: أولاها وقف النار، وثانيها نزع المظاهر المسلحة وتوفير عودة آمنة للسكان على جانبي الحدود، وثالثها التفاوض في سبيل معالجة وتثبيت الحدود البرية.

تقنياً اعتبر هوكشتاين أن تطبيق القرار 1701 سيكون على مراحل، لكن تبرز هنا عقدة أساسية تتصل بالطلعات الجوية الإسرائيلية في الأجواء اللبنانية، إذ إن حزب الله ولبنان الرسمي يشددان على ضرورة وقف هذه الخروقات، وعدم استخدام الأجواء اللبنانية لضرب أهداف في سورية، وهو ما ترفضه تل أبيب التي تريد أن تبقى في حالة رصد لأي حركة عسكرية أو تسليحية في الجنوب اللبناني، بينما يعمل هوكشتاين على البحث في مدى التحليق والارتفاع والعمق كمحاولة لتخفيف الاعتراض.

في هذا السياق، يعبر مسؤولون لبنانيون عن تخوفهم من انعدام القدرة على الوصول الى تسوية أو اتفاق في ضوء التهديدات والاستعدادات الإسرائيلية، وطالما أن حزب الله يرفض تقديم أي تنازل أو الارتضاء بتسوية، خصوصا أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي يرفض الرضوخ للشروط والضغوط الأميركية، ويصر على خوض معركة رفح، ويعطل أي مسار للتسوية والاتفاق، يمكن أن يتصرف بالطريقة عينها في لبنان، وأنه طالما لم يستجب لكل الدعوات التي وجهها الرئيس الأميركي جو بايدن، فهل سيستجيب لما يقدمه هوكشتاين؟ إصرار تل أبيب على خوض معركة رفح وإعادة الحرب إلى كل مناطق قطاع غزة في الوسط والشمال يدفع اللبنانيين إلى التخوف أكثر، إذ يبدو نتنياهو وكأنه يحاول الإطاحة بكل محاولات التهدئة أو التسوية، ما يعني أن لبنان سيكون مقبلاً على تصعيد أكبر في المرحلة المقبلة.

في الموازاة، تتواصل المساعي الفرنسية في البحث عن نقاط مشتركة لتحضير الأرضية بانتظار وقف إطلاق النار وترتيب الاتفاق في لبنان، مع التشديد على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية وإنجاز تسوية داخلية، وهذا ما يتقاطع أيضاً مع تحرك قطري واضح من خلال زيارات تجريها شخصيات لبنانية للدوحة، للبحث في التطورات السياسية، وفيما يمكن القيام به لتقريب وجهات النظر بين اللبنانيين في سبيل إرساء معالم التسوية. في هذا السياق، برزت زيارة قائد الجيش جوزيف عون للدوحة، على أن تليها زيارات أخرى لشخصيات سياسية وحزبية بينها وليد جنبلاط، في محاولة من الدوحة لاستطلاع الآراء، وما يمكن القيام به لعقد حوار لبناني ينتج تسوية يعاد بموجبها تشكيل السلطة.