نشأ نوع من التكافل المؤسف بين المحاربين الثقافيين الموالين لإسرائيل من أمثال النائبة الجمهورية إليز ستيفانيك والهامش الشديد الانكفاء على نفسه من المحتجين الموالين للفلسطينيين في الجامعات، وهما معا، بقصد أو بغير قصد، يصرفون الانتباه عن حالة غزة الطارئة إذ يتهيأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعصيان الولايات المتحدة بغزو مدينة رفح الجنوبية، ويوجوهون التركيز إلى مشكلة أصغر كثيرة هي معاداة السامية في الحرم الجامعي.

يبدو أن بعض المتظاهرين الموالين للفلسطينيين يعتقدون، في ضوء الجسامة المعنوية للموت الجماعي والتشريد والتجويع في غزة، أن مراعاة الحساسيات اليهودية السائدة تعني اتباع ما يعرف بسياسات الاحترام التي تبيض وجه الأهوال باسم اللياقة، وقد جاء في بيان صدر أخيرا عن فرع كولومبيا القانوني التابع لنقابة المحامين الوطنية، وهي مجموعة يسارية تقدم الدعم القانوني للمتظاهرين قولهم «إلى الطلاب اليهود وأعضاء هيئة التدريس والأمناء الذين يعارضون سحب الاستثمارات ويحثون على القمع العنيف في الحرم الجامعي: أنتم تهددون سلامة الجميع».

Ad

يحتقر البيان روح اللاعنف، مستشهدا بزعيم (الفهود السود) كوامي توري، المعروف سابقا بستوكلي كارمايكل: «لكي ينجح اللاعنف، يجب أن يكون لدى الخصم ضمير، والولايات المتحدة ليس لديها من ذلك شيء». داخل الحركة، أتخيل مثل هذه اللغة دليلا على الالتزام الكامل، والرفض المطلق للمثل الليبرالية الجوفاء، وخارج الحركة، وفي حدود التعامل مع هذه اللغة بجدية، فإنها تعمل على تأجيج حالة الذعر الشديد من الاحتجاجات التي تصرف الانتباه عن الحرب وتغذي رد فعل عنيف ومتزايد يهدد الحرية الأكاديمية.

يمثل هذا الذعر خلفية لتشريع خطير أقره مجلس النواب بأغلبية ساحقة الأسبوع الماضي، ويمكن أن يتبناه مجلس الشيوخ عما قريب، فمنذ عام 2016، يضغط السياسيون الموالون لإسرائيل من أجل مشروع قانون يسمى (قانون التوعية بمعاداة السامية) من شأنه أن يقنِّن، إنفاذا لقانون الحقوق المدنية الفدرالي في التعليم العالي، تعريفا لمعاداة السامية يتضمن رفض إسرائيل بوصفها دولة يهودية، وفي الماضي، كان المدافعون عن الحريات المدنية قادرين على تجنب مثل هذا التشريع، ثم أصبح ذلك أصعب في ظل المناخ المحموم الحالي.

كتب جيمي راسكين، النائب الديموقراطي في مجلس النواب وأستاذ القانون الدستوري السابق، بيانا يشرح فيه المشكلات المتعلقة بمشروع القانون بإسهاب، قبل أن يبرر تصويته بالموافقة عليه بنوع من اللامبالاة الانهزامية: «في هذه اللحظة من الألم والارتباك بشأن الزيادة الخطيرة في معاداة السامية والاستبداد والعنصرية في جميع أنحاء البلد والعالم، يبدو من غير المرجح أن يكون لهذا التشريع عديم المعنى نفع كبير، لكن لا يمكن أن يكون له ضرر كبير أيضا، وقد يكون فيه بعض العزاء الآن لليائسين من مظاهر معاداة السامية»، وبرغم أنه لا يوجد في الكونغرس من يثيرون إعجابي بقدر راسكين، لكنني لا أوافقه على أن مشروع القانون عديم الضرر، وآمل أن يوقفه شخص ما في مجلس الشيوخ، إذ يعتمد مشروع القانون على تعريف لمعاداة السامية تبناه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست في عام 2016، ويسرد أمثلة عديدة يمكن أن تشكل- مع مراعاة «السياق العام»- معاداة للسامية، ومن بين هذه الأمثلة «تطبيق معايير مزدوجة على إسرائيل»، والقول بأن وجودها «عمل عنصري» أو استخدام «الرموز والصور المرتبطة بمعاداة السامية الكلاسيكية (من قبيل مزاعم قتل اليهود ليسوع أو فرية الدم) في وصف إسرائيل أو الإسرائيليين».

حتى لو اتفقتم على أن كل هذه الأشياء علامات عداء لليهود، فإن محاولة تصنيفها قانونيا على هذا النحو تثير مشكلات خطيرة تتعلق بالتعديل الدستوري الأول، ولهذا السبب، كما سبق أن كتبت، عارض كين ستيرن باستمرار قانون التوعية بمعاداة السامية، برغم أنه أحد أبرز واضعي تعريف معاداة السامية في التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست.

لقد أمضى ستيرن، مدير مركز دراسة الكراهية في كلية بارد، خمسة وعشرين عاما في العمل خبيرا داخليا في معاداة السامية لدى اللجنة اليهودية الأميركية، حيث عمل على ما أصبح فيما بعد تعريف التحالف الدولي لمعاداة السامية، ولقد كان غرض وثيقة التعريف تلك- كما أوضح ستيرن- أن تكون أداة بحثية لا أساسا لتشريع، وضرب مثلا فقال: إن شخصا يدرس العنصرية في أميركا قد يرغب في النظر في معارضة (العمل الإيجابي)، وحركة (حياة السود مهمة)، وإزالة التماثيل الكونفدرالية، لكن هذا يختلف كثيرا عن سنّ قانون يعلن عنصرية هذه المواقف، ومن المفترض أن تتعلق القوانين بالسلوك، لا بالأفكار، ولهذا السبب لا يعرِف قانون الحقوق المدنية الفدرالي العنصرية أو التمييز الجنسي أو رهاب المثلية.

وتساءل ستيرن: «كيف يختلف تحديد الخطاب المناسب للتدريس والتمويل ولشتى الأمور عما كنا نفعله في عصر المكارثية؟». صحيح، كما أشار راسكين، أن دونالد ترامب أصدر بالفعل أمرا تنفيذيا، ولم يتم إلغاؤه قط، يوجه الحكومة إلى استخدام تعريف التحالف الدولي لمعاداة السامية عند تطبيق قانون الحقوق المدنية في الحرم الجامعي، لكن ستيرن يرى أن تحويل التعريف إلى القانون، بموافقة ليبرالية واسعة النطاق، يعمل على ترسيخه.

حتى الآن، يأتي أغلب معارضة قانون التوعية بمعاداة السامية من اليمين المسيحي، الذي لا يريد أن يفقد قدرته على القول بأن اليهود قتلوا يسوع، كما تأتي المعارضة ممن يريدون إلغاء برامج التنوع والمساواة والشمول بدلا من توسيع نطاق حمايتها ليشمل اليهود. وقد قالت النائبة الجمهورية مارجوري تايلور جرين إن مشروع القانون «يمكن أن يدين المسيحيين بتهمة معاداة السامية لإيمانهم بالإنجيل الذي يقول إن يسوع تم تسليمه إلى هيرودس ليصلبه اليهود»، وهذا ليس صحيحا تماما، فالتشريع مدني لا جنائي، ولا يمكن استخدامه «لإدانة» أي شخص، لكنها غير مخطئة في ما يتعلق بإمكانية استخدام القانون، نظريا، ضد من يروجون لفكرة معاداة السامية الكلاسيكية المتمثلة في قتل الإله، وهو اعتقاد كريه ويحظى في الوقت نفسه بحماية دستورية.

بالطبع ليس الغرض من قانون التوعية بمعاداة السامية استهداف المسيحيين المحافظين، إنما غرضه بالأحرى هو قمع النشاط المناهض لإسرائيل، وقد قال النائب مارك مولينارو، الجمهوري عن ولاية نيويورك، خلال دفاعه عن مشروع القانون: إن «هذه القضية ليس فيها جانبان شرعيان، فإقامة مخيم في الحرم الجامعي ليس تعبيرا عن رأي، إنما هو تهديد مباشر للطلاب اليهود».

ولقد رأينا بالفعل مسؤولين من أمثال مينوش شفيق في جامعة كولومبيا يقمعون المتظاهرين بإكراه من الكونغرس، فلم يفض ذلك إلا إلى تأجيج الحركة، وانتشار المخيمات في جميع أنحاء البلد، وبرغم انزعاجي من تصاعد النزعة اليسارية غير الليبرالية، فمن الصعب أن أطالب النشطاء الموالين للفلسطينيين بالخضوع لقواعد الحوار المفتوح في حين أن الحكومة تعلن حظر وجهات نظرهم.

وفي حال تحول مشروع قانون التوعية بمعاداة السامية إلى قانون، لن يكون من سبب للاعتقاد بأن الاستهداف سوف يقتصر على وجهات النظر التي يجدها الليبراليون مرفوضة فقط، ففي نهاية المطاف، تهاجم ستيفانيك وحلفاؤها جامعة هارفارد حاليا لاستضافتها الصحافية الفلبينية البطلة ماريا ريسا، الحائزة جائزة نوبل للسلام لعام 2021، كمتحدثة في حفل الافتتاح، لأن منشورا لريسا دعا إلى وقف إطلاق النار في غزة ولأنها وقعت على رسالة مفتوحة تتعلق بقتل الصحافيين في غزة. وفي حين تنتقل حرب إسرائيل إلى مرحلة وحشية جديدة، تنتقل كذلك جهود لخنق من يعلنون اعتراضهم على هذه الحرب.

وإذا كان للحزب الجمهوري والجانب المتطرف من اليسار الموالين للفلسطينيين مصلحة مشتركة في تشويه سمعة الجامعة الليبرالية الحديثة بجعلها تبدو منافقة وغير فعالة في آن واحد، فلا ينبغي أن يساعدهم الليبراليون في ذلك.

* ميشيل غولدبرغ