حرب السابع من أكتوبر 2023 والمستمرة حتى كتابة هذا المقال عشناها لحظة بلحظة، من خلال الفضائيات ومنصات التواصل الاجتماعي، وتابعنا ما يكتب في الصحافة من تقارير وأخبار وصور، ولم يكن لهذا أن يتوافر لولا «ثورة الاتصالات» الحديثة التي أعطتنا مشاهد صادمة، ونقلت لنا ما يحصل من مجازر وأعمال عسكرية، فساحة الحرب كانت مفتوحة تقريبا للجميع.
لاحظوا الفرق بين حروب الأمس وحروب اليوم، ففي حربي 1948 و1967 كانت الإذاعة هي الوسيلة الأكثر انتشاراً بيننا، والناس تنتقل بين المحطات لمعرفة آخر الأخبار.
في حرب 1973 والحروب التي تلتها بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية دخل التلفزيون كواجهة وإلى حد كبير، وربما كانت حرب التحالف الدولي لإسقاط نظام صدام حسين عام 2003 وقبلها الحرب العراقية– الإيرانية (1980-1989) وغزو العراق للكويت عام 1990 والدخول الأميركي إلى أفغانستان (2011)، من الحروب التي تفردت بها الفضائيات العربية والأميركية خاصة الجزيرة والعربية والـ«سي إن إن»، وجعلتنا على مسافة قريبة جداً من أرض المعركة.
ما حدث في غزة شيء مختلف تماماً عن كل الحروب، فظائع وجرائم ومآس فاقت تصور البشر، وفي كل يوم تطالعنا تقارير وروايات وصور لأبشع إبادة جماعية استهدفت الشعب الفلسطيني، دع عنك التناحر السياسي والانقسامات بين الفصائل والمنظمات الفلسطينية، فالقصة أكبر وأهم بكثير من الحديث عن الخلافات.
نحن أمام كارثة إنسانية، قد لا تتكرر في تاريخ الأمم والشعوب، وما دعاني إلى الكلام عن هذا الجانب ما سمعته شخصياً من أطباء كويتيين وفلسطينيين وعرب وأجانب ذهبوا إلى الميدان ليعاينوا الحالة المأساوية للجرحى والمرضى والموتى الذين انقطعت بهم سبل الإنقاذ والحياة.
كنت مستمعاً إلى رواية الدكتور حسام بشير، الذي زار قطاع غزة ثلاث مرات، في جلسة «منتدى الصحبة» الذي يديره الدكتور أياد صايمة وجمع من الحضور، وكان من ضمن الفريق الطبي الكويتي الذي زار مدينة رفح مؤخراً.
هناك معاناة حقيقية لتلك المجاميع المتطوعة التي قررت المساعدة بالذهاب إلى أرض المعركة، تبدأ من اللحظة التي يدخلون فيها الأراضي المصرية، وصولاً إلى المركز والمستشفى الذي يقصدونه داخل قطاع غزة.
انتابني شعور بالرعب وكدت أفقد توازني عندما كان الطبيب الفلسطيني الدكتور حسام بشير يروي لنا قصص الموت وحالات التعفن التي تعانيها أجساد الآلاف من المدنيين، وهم مكدسون داخل المستشفى الذي بقي فيه لأيام لإجراء عمليات جراحية، وصف الأجواء المحيطة بالمستشفى وقد تحول إلى ما يشبه يوم القيامة.
السؤال الذي بقي يطاردني، لماذا لا تبادر جهة أو مجموعة أو مختصون إلى توثيق وتدوين الروايات الميدانية بالصوت والصورة، بحيث تكون مرجعاً وأداة توثيقية حفظاً للتاريخ، أقرب إلى أن يطلق عليها شهادات حية على فظائع الاحتلال الإسرائيلي وتكتب بلغات العالم الحية، تتحول إلى أداة فاعلة ومؤثرة، تعرض وتحفظ وتوزع في جميع أصقاع العالم، وبالأخص باللغة العبرية كي تصل إلى كل يهود العالم المنتشرين في الخارج؟