بعد أيام قليلة من تنصيبه رسمياً لولاية خامسة، وتوسيع الجيش الروسي هجومه على اوكرانيا وتحقيقه اختراقات على الجبهة، استبدل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزير الدفاع سيرغي شويغو، الذي خدم معه منذ عام 2012، بالمستشار الاقتصادي المدني المحنك وعالم الرياضيات أندريه بيلوسوف، ما يشير إلى التركيز على تطوير اقتصاد الحرب الروسي بعد دخول الحرب في أوكرانيا عامها الثالث.

من هو بيلوسوف؟

Ad

تخرج بيلوسوف، البالغ من العمر 65 عاما، بمرتبة الشرف من كلية الاقتصاد بجامعة موسكو الحكومية في عام 1981. وبعد أن أصبح اقتصاديا ذا ميول ليبرالية في التسعينيات والعقد الأول من القرن الـ21، لم يكن لديه أي خلفية عسكرية حتى لو كان لديه انجذاب للمهام العسكرية، فقد تخصص خلال السنوات التي قضاها في القطاع المدني في القضايا الصناعية، وهو أيضا دكتور في الاقتصاد وعالم رياضيات.

عين بيلوسوف مستشارا غير دائم لرئيس الوزراء الروسي عام 2000، قبل أن يصبح نائب وزير في وزارة الاقتصاد بعد ست سنوات. ومن عام 2008 إلى عام 2012، شغل منصب مدير إدارة الاقتصاد والمالية في الحكومة، وهي السنوات التي شغل فيها فلاديمير بوتين منصب رئيس الوزراء.

وأصبحت أهمية أندريه بيلوسوف متزايدة في عام 2012 عندما تم تعيينه وزيرا للتنمية الاقتصادية بين مايو 2012 ويونيو 2013، ثم مستشارا لرئيس الكرملين حتى عام 2020، قبل أن تتم ترقيته إلى نائب أول لرئيس الوزراء في العام نفسه، وتولى فترة وجيزة مهام رئاسة الوزراء عندما أصيب رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين بـ «كوفيد ــ 19» في عام 2020.

يعد بيلوسوف صديقا مقربا من الرئيس الروسي، وكان من بين المسؤولين الذين أقنعوا بوتين في عام 2017 بأن الاقتصاد الرقمي سيكون حاسما لمستقبل روسيا، وفق ما ذكرت وكالة «آر بي كيه» الروسية.

من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف، مساء الأحد، إن تعيين بيلوسوف وزيرا للدفاع «ضرورة قادمة مباشرة من الجبهة بعد أكثر من عامين من القتال في أوكرانيا ودون نتيجة واضحة للصراع»، مؤكدا أن بوتين قرر أن يكون على رأس وزارة الدفاع الروسية مدني، وذلك لتكون الوزارة منفتحة على التجديد والأفكار الرائدة.

وأضاف «اليوم، في ساحة المعركة، من يفوز هو الأكثر انفتاحا على التجديد»، فيما يعتبر بوتين أن «وزارة الدفاع يجب أن تكون منفتحة تماماً على الإبداع، وعلى تقديم أفكار تقدمية، وعلى خلق الظروف الملائمة للقدرة التنافسية الاقتصادية».

وشجع بوتين في الأشهر الأخيرة صناعة الدفاع في بلاده على الابتكار والإنتاج بكميات أكبر لمواصلة الهجوم في أوكرانيا، وهو أمر مكلف من حيث المعدات والرجال، لذا يعتبر بيلوسوف شخصية مثالية تقريبا في نظر سيد الكرملين في هذه الظروف.

ويعتبر بيلوسوف أن اقتصاد الحرب هو العنصر الأكبر في إحداث تحول مجتمعي أوسع نحو هيكلية عسكرية تتمتع فيها الدولة بسلطة مطلقة، وتكون المصالح الفردية فيها خاضعة لحاجاتها. ونقلت عنه وكالة «تاس» الروسية الرسمية قوله عام 2022 بوجود مفهوم جديد للتعبئة المجتمعية، «فالتعبئة الاقتصادية هي جزء من التعبئة المجتمعية».

ونقلت «الفايننشيل تايمز» عن مصدر مقرب من بوتين أن بيلوسوف «ليس فاسداً على الإطلاق»، وأنه «سيكون مختلفاً عما لدينا الآن في وزارة الدفاع». وأخذ المصدر على شويغو ومن هم حوله أنه «كانوا تجاريين وماديين وكان شويغو يهتم بالمظاهر ويفتخر بالظهور بالأوسمة المتعددة التي كان يحملها... أما بيلوسوف فهو مدمن عمل. إنه من فئة التكنوقراط وصادق جداً وبوتين يعرفه جيداً».

ويقول مارك غاليوتي مدير شركة «ماياك» للاستشارات الاستخباراتية التي تتخذ لندن مقراً لها، إن «وجود خبير اقتصادي، شخص يتحدث عن الحاجة إلى إخضاع جزء كبير من الاقتصاد بشكل أساسي لاحتياجات قطاع الدفاع، أمر منطقي إلى حد ما».

أما الخبير في التكنولوجيا العسكرية الروسية صموئيل بينيديت، فيقول لصحيفة «تايمز»البريطانية، إن بيلوسوف "مروجٌ كبيرٌ لصناعة المُسيّرات المحلية، فضلاً عن أبحاث في التكنولوجيا العالية الدقة»، وتتساءل الصحيفة اذا كان تعيينه يتلاقى مع حاجة روسيا إلى تطوير تقنياتها للتصدي للتفوق الأوكراني في مجال المُسيّرات التي تُلحق أضراراً فادحة بمصافي النفط الروسية؟»

مناورة داخلية

من ناحيته، قال الرئيس الليتواني جيتاناس ناوسيدا، إن إقالة شويغو هي إشارة موجهة إلى الشعب الروسي.

وأوضح أنه «جرى تنفيذ ذلك من أجل الاستهلاك المحلي، ومن أجل أن تكون هناك إمكانية للاستمرار في هذه الحرب. لا يجب أن نصاب بالوهم بأن بوتين مستعد لمفاوضات سلام».

مصير باتروشيف

قال الكرملين إن بوتين يرغب في أن يصبح شويغو أمينا لمجلس الأمن الروسي ليحل محل نيكولاي باتروشيف، وأن يتولى أيضا مسؤوليات مجمع الصناعات العسكرية. ومع هذا المنصب يغدو شويغو الذراع اليمنى لبوتين في شؤون الصناعة العسكرية وإدارة المجمع الصناعي في البلاد. وسيتولى باتروشيف منصبا جديدا لم يعلن عنه بعد. وباتروشيف احد الصقور القوميين وكان ينظر اليه على انه «الشيطان على كتف بوتين الذي يهمس بالسم في أذنه» على حد قول مارك غاليوتي، الأستاذ الفخري في كلية لندن للدراسات.

وحين بدا بوتين غاضبا وفي موقف دفاع وكان أداؤه متعثرا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب على أوكرانيا وكاد يختفي عن الأنظار، تصدر باتروشيف المشهد لتبرير»اللغز» وتعزيز أهداف الحرب.

وقال الكرملين إن فاليري جيراسيموف، رئيس هيئة الأركان العامة والشخص الذي يتولى دورا عمليا أكبر فيما يتعلق بتوجيه الحرب، سيبقى في منصبه، وكذلك وزير الخارجية المخضرم سيرغي لافروف.

وسيحتفظ رئيس الاستخبارات الخارجية سيرغي ناريشكين بمنصبه، وكذلك رئيس جهاز الأمن الفدرالي ألكسندر بورتنيكوف.