الخنساء... نثراً وشعراً
فخرت بأخيها شعراً، وأبدعت في وداع أولادها الأربعة نثراً، ولكن الذين أرخوا لحياتها قد ركزوا على شعرها، ولم يعيروا اهتماماً لما قالتهُ نثراً إثر استشهاد أولادها في معركة القادسية.
***وقد خاطبت الخنساء أولادها وهي تودعهم:
«يا بَني إنكم أسلمتم طائعين مُختارين، والله الذي لا إله إلا هو، إنكم لبنو رجُلٍ واحد كما أنكم بنو امرأة واحدة، ما خنت أباكم ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت نسبكم، وقد تعلمون ما أعد الله تعالى للمؤمنين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الآخرة خيرٌ من الدار الفانية، يقول الله عز وجل (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تُفلحون)، فإذا أصبحتم غداً - إن شاء الله - سالمين فاغدوا لقتال عدوكم مُستنصرين بالله على أعدائه، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها وجللت ناراً على أوراقها فيمموا وطيسها وجالدوا رئيسها تظفروا بالغُنم والكرامة في دار الخُلد والمُقامة».
فتقدم أبناؤها إلى القتال وحاربوا مُتفانين، حتى استشهدوا عن آخرهم، فبلغها الخبر، فقالت: «الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مُستقر الرحمة».
***والخنساء كانت شديدة الفخر بأخيها صخر، حيث رثتهُ بقصيدة تُعد من عيون شعر الرثاء في الأدب العربي:
... يَوماً بِأَوجَدَ مِنّي يَومَ فارَقَني
صَخرٌ وَلِلدَهرِ إِحلاءٌ وَإِمرارُ
وَإِنَّ صَخراً لَوالِينا وَسَيِّدُنا
وَإِنَّ صَخراً إِذا نَشتو لَنَحّارُ
وَإِنَّ صَخراً لَمِقدامٌ إِذا رَكِبوا
وَإِنَّ صَخراً إِذا جاعوا لَعَقّارُ
وَإِنَّ صَخراً لَتَأتَمَّ الهُداةُ بِهِ
كَأَنَّهُ عَلَمٌ في رَأسِهِ نارُ
***كتبت هذا المقال بعد أن استفزني مقال لأحدهم ينفي وجود الخنساء أصلاً، مع أن التاريخ حدثنا عن دخولها في منافساتٍ شعرية مع فطاحل الشعراء.