خاص

هل يُسقط المتطرفون نظام الجمهورية الإسلامية في إيران؟

ترقب لانفجار مع تصاعد المواجهات حول الحجاب الإلزامي

نشر في 15-05-2024
آخر تحديث 14-05-2024 | 19:09
إيرانيات يتصورن أمام ضريح الشاعر حافظ الشيرازي في شيراز (أ ف ب)
إيرانيات يتصورن أمام ضريح الشاعر حافظ الشيرازي في شيراز (أ ف ب)
قضية الحجاب لها دور مهم في الحياة السياسية الإيرانية منذ سنوات طويلة، وقد تسببت الإجراءات المشددة التي اتخذها الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي، بخصوص الحجاب، في احتجاجات وُصفت بالأقوى منذ الثورة الإسلامية، ورغم ذلك واصلت إدارته الضغوط، خصوصاً بعد الانتخابات الأخيرة، الأمر الذي قد يهدد بانفجار كبير.

كثيراً ما كان موضوع الحجاب أحد المواضيع الخلافية في إيران منذ قرون طويلة، وبرز في عهد القاجار (1794 حتى 1925)، ولاحقاً عندما وصل الملك رضا بهلوي المعروف باسم رضا شاه، الى السلطة في 1925، وأصدر قانوناً بمنع الحجاب في عام 1936، تأسياً بأتاتورك الذي اصدر تشريعاً يقيّد الحجاب في تركيا قبل ذلك بعامين.

وحاول رضا شاه اتباع سياسات أتاتورك في علمنة إيران وتحويلها من دولة كانت تعتبر متخلفة خلال عهد القاجار الى دولة علمانية على الطريقة الغربية، حيث أجبر الرجال كذلك على ارتداء أزياء اوروبية والتخلي عن الزي الإيراني التقليدي، وقام بالحد من نفوذ رجال الدين في السلطة.

وأمر رضا شاه الشرطة في الشوارع بإجبار النساء على خلع حجابهن وضرب الرجال في الساحات العامة اذا ما أجبروا نساءهم على ارتداء الحجاب.

وتحوّل موضوع الحجاب في حينها الى صراع بين عموم الشعب والحكومة، واصبح لبسه رمزاً من رموز المعارضة السياسية لحكم رضاه شاه.

وبعد إقالة رضا شاه من الانكليز وتنصيب ابنه الملك محمد رضا شاه، سحب الشاه الجديد موضوع الحجاب من يد المعارضين، فألغى قرار والده بمنع الحجاب واستبدله بقرار يسمح للناس بارتداء الزي الذي يريدونه.

اللجان الثورية

بعد الثورة على محمد رضا شاه (1979)، عاد موضوع الحجاب ليتحوّل الى جدل سياسي، حيث قامت بعض التيارات الثورية الإسلامية ـ يسارية التي كان ينتمي إليها معظم قادة الإصلاحيين الحاليين ومنظمة مجاهدي خلق المحظورة حاليا، بمطالبة زعيم الثورة روح الله الخميني بإصدار قانون يفرض الحجاب على النساء ويجبر المواطنين على الالتزام بالقوانين الشرعية الإسلامية.

في حينها ورداً على رسالة من رئيس الوزراء مير حسين موسوي الموجود حالياً في الاقامة الجبرية منذ نحو 14 عاماً الى جانب زوجته زهرا رهنورد والرئيس الايراني السابق حسن روحاني، وبعض الشخصيات السياسية الاخرى مطالبين بفرض الحجاب، أكد الخميني انه حسب رؤيته الشرعية «فإن الجميع يجب أن يلتزموا بالقوانين الشرعية في الحكومة الاسلامية».

واستغل مؤيدو فرض الحجاب رد الخميني لتشكيل مجموعات تمت تسميتها «اللجان الثورية»، والتي كانت تسيّر دوريات في الشوارع لاعتقال وضرب النساء اللواتي لم يلتزمن بالحجاب أو الرجال الذين يرتدون الأزياء الغربية، مثل بنطال الجينز.

رفسنجاني يتجنب المواجهة

وبسبب المعارضة الشديدة من المجتمع الايراني لعمل اللجان الثورية، قام الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني بعد وصوله الى السلطة بحلها وتوزيع أعضائها على الشرطة والحرس الثوري والأجهزة الامنية، عازيا قراره إلى أن البلاد يجب أن تحكم بالقانون وليس هناك أي قانون ينظم عمل هذه اللجان. ولما كان لا يرغب في مواجهة الأصوليين، فقد تجنب الطلب من مجلس الشورى الاسلامي (البرلمان) إصدار أي قانون حول مسألة الحجاب، مبقياً الأبواب مفتوحة على كل التأويلات حول رد الخميني على رسالة مير حسين موسوي.

خاتمي: لا إلزام

بعد وصول الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي للسلطة، فإن موضوع فرض القوانين الشرعية والحجاب أضحى موضوع جدل بين النخبة السياسية. وفي حينها قام مجلس الشورى الذي كان يسيطر عليه الإصلاحيون بإصدار قانون يعتبر الحجاب والالتزام بالقوانين الشرعية أمرا قانونيا، وفقا لرد الخميني على رسالة مير حسين موسوي، ولكن من دون إلزام، بل عبر الإقناع، وأوكلت مسؤولية الاقناع هذه الى وزارة الارشاد، بالاضافة الى 25 مؤسسة ووزارة تساعدها من ضمنها الشرطة.

تجنبت معظم الوزارات الدخول في جدل الحجاب، باستثناء قيادة الشرطة خلال عهد محمد باقر قاليباف، الذي يشغل حاليا منصب رئيس مجلس الشورى، فقد قامت بتشكيل شرطة الإرشاد او شرطة الاخلاق، والتي تبين فيما بعد انها ضمت في قيادتها معظم أعضاء اللجان الثورية سيئة الذكر، وقد عادوا الى الشوارع هذه المرة بلباس رسمي لفرض القوانين الشرعية والحجاب.

وفي أواخر الثمانينيات أحد أشهر انشطة شرطة الإرشاد كان محاولة منع الناس من مشاهدة قنوات الأقمار الصناعية، وشنت الشرطة حينها حملة واسعة ضد الصحون اللاقطة واستخدمت لاعبي ألعاب الوثب (الباركور) للقفز على أسطح الأبنية ودخلوا منازل المواطنين وصادروا الصحون اللاقطة وأجهزتها، وتم اعتقال آلاف الإيرانيين واحالتهم للمحاكم وتغريمهم، وحتى الزج ببعضهم في السجن بسبب مشاهدة شبكات التلفزة الأجنبية. في النهاية تحولت القضية الى صراع بين عامة الناس والحكومة، وبدأ جميع الناس بشراء الصحون ونشرها على أسطح المباني ووجدت الشرطة أنها لا تستطيع اعتقال كل الناس والزج بهم في السجن واضطرت للتراجع.

فيما بعد انتشرت شائعات من أنصار الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد أكدت ان قاليباف الذي كان ينافس نجاد في الانتخابات الرئاسية وعددا من قيادات المخافر الحدودية والحرس الثوري كانوا ضالعين في تهريب الصحون اللاقطة، وان الحملة ضد هذه الصحون شكلت مصدرا هائلا للربح، حيث اضطر الناس الى شراء الصحون مرارا وتكرارا في كل مرة تصادرها الشرطة.

وتجنب كل الرؤساء الإيرانيين منذ هاشمي رفسنجاني وصولا الى الرئيس السابق حسن روحاني تمويل «شرطة الأخلاق»، واعتبروا أن إلزام الناس بالقوة سيؤدي الى نتيجة معكوسة.

لكن بعد وصول الرئيس الحالي ابراهيم رئيسي الى السلطة، قام بزيادة ميزانية شرطة الاخلاق من ثلاثة مليارات تومان الى ما يصل الى الألف مليار تومان في أول ميزانية قدمها للمجلس، وقام بتوظيف عدد كبير من أنصاره وأنصار والد زوجته أحمد علم الهدى في الشرطة لفرض الحجاب الإلزامي.

وأدت زيادة الضغط من هؤلاء على الشارع الايراني الى انفجاره بشكل غير مسبوق، وطبقا لما كان كل رؤساء الجمهورية السابقين يتوقعونه، وانتشرت الاحتجاجات التي عرفت باحتجاجات مهسا أميني في الشوارع الايرانية وكادت تسقط النظام بعد مقتل مهسا التي أوقفتها شرطة الأخلاق.

وبصعوبة بالغة نجح نظام الجمهورية الإسلامية في الخروج سالما من احتجاجات مهسا، لكن هذه المرة فإن الايرانيات بدأن يرفضن ارتداء الحجاب وانتشرت ظاهرة نزعه بشكل واسع جدا، وأضحت مدعومة بالاكثرية النسبية من المواطنين، حتى بين المحسوبين على المتدينين والأصوليين، حيث اظهرت الكثير من الإحصاءات ان أغلبية كبيرة من الإيرانيين تدعم أن يكون الحجاب اختياريا.

رئيسي يقحم نفسه في معركة تجنبها أسلافه من رفسنجاني إلى روحاني

وعلى الرغم من ان انصار رئيسي حاولوا تمرير قانون في مجلس الشورى يفرض الحجاب الإجباري، فإن الاستشارات النيابية أكدت ان اكثرية النواب الأصوليين عموما، يرفضون التصويت لإقراره، مما دفع هؤلاء الى اللجوء لتمرير القانون عبر بند قانوني يسمح للجان المجلس بإصدار قانون تجريبي، لكن مجلس صيانة الدستور رفض تأييد القانون التجريبي، على الرغم من ان المتطرفين في المجلس حاولوا تمريره اكثر من 70 مرة، وتم رفضه من مجلس صيانة الدستور 70 مرة. ورغم أن الشرطة تفتقر حالياً الى أي قانون يدعم تصرفاتها في موضوع الحجاب، فإن الأصوليين المتطرفين وعبر قائد الشرطة أحمد رضا رادان، أحد أعضاء اللجان الثورية المنحلة، مضوا في عملية فرض رأيهم على الشارع الايراني عبر عمليات بوليسية مدعومة بعدد من القضاة التابعين للاتجاه الاصولي المتطرف.

رواتب مرتفعة

وفي حين أن الحكومة تدعي أنها تواجه مشكلة تأمين رواتب موظفيها وهي تقوم بفرض ضرائب عشوائية على المواطنين لتمويل ميزانيتها، الا أنها قامت بتوظيف ما يزيد على 25 الف شخص للعمل لمصلحة شرطة الأخلاق، ونسبة كبيرة من هؤلاء من أنصار رئيسي ووالد زوجته.

وحسب الأرقام المنشورة، فان هؤلاء يتلقون رواتب تزيد على أربعة اضعاف الحد الادنى لرواتب الموظفين الحكوميين العاديين. والى جانب هؤلاء، فإن رئيس بلدية طهران المحسوب ايضا على المتطرفين قام بتوظيف 12 ألف شخص لهذا الغرض وبرواتب مرتفعة نسبيا.

ومع انتهاء الدورة الثانية من الانتخابات يوم الجمعة الماضي، فمن المتوقع ان يزيد هؤلاء من ضغطهم على الشارع، حيث قاموا في الأيام الماضية بإقفال مئات من المحال والمقاهي والمطاعم وحجز سيارات واحتجاز مئات من السيدات. وانتشرت في وسائل الإعلام صور وأفلام عن دخول هؤلاء في اشتباكات مباشرة مع مواطنين تخللتها اعتداءات جسدية ولفظية على العديد من السيدات والفتيات في الشوارع.

وفي المقابل قام العديد من المواطنين بمواجهتهم، الأمر الذي أدى الى اضطرار الشرطة لإرسال تعزيزات.

وفي ظاهرة ذات دلالة، بدأ اصحاب المحال بنشر أخبار إقفال محالهم بسبب الحجاب على شبكات التواصل، وهم فخورون بالمشاركة في مواجهة شرطة الأخلاق.

معيار الانتخابات

وعكس إعلان وزارة الداخلية الايرانية مقاطعة نحو 92 في المئة من المواطنين للانتخابات الاحتقان الذي تشهده البلاد ضد الأصوليين المتطرفين الذين باتوا يسيطرون على جميع أركان السلطة، وبات هناك نوع من الترقب من احتمال انفجار الساحة مجدداً.

وبينما يعتبر العديد من المراقبين أن الشارع الإيراني لم ينجح في اسقاط النظام خلال احتجاجات مهسا أميني بسبب افتقاره الى التنظيم، لكون الأمر اندلع بشكل مفاجئ وعفوي، فإن المراقبين يعتبرون أن انفجار الساحة هذه المرة يمكن أن يؤدي إلى إسقاط النظام.

back to top