في يوم لم يكن كغيره من الأيام
«أمرنا بالآتي: حل مجلس الأمة، ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديموقراطية ورفع نتائج الدراسة والمراجعة لنا، لاتخاذ ما نراه مناسبا».
سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، من خلال حديثه المتلفز في العاشر من شهر مايو قبل عدة أيام وبنبرة غلب عليها الحزن والحزم في آن واحد.
لا شك أن المتابع لتاريخ الكويت السياسي سيدرك جيداً تميزها في حرص قيادتها بشكل مستمر على المحافظة على التاريخ المشرف للحياة السياسية والاقتصادية، فعندما نقرأ الخطابات السابقة لسمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله ورعاه، فسنجد الدعوات المستمرة إلى التمسك بالوحدة الوطنية، والتحلي بأسلوب الحوار البنّاء بين السلطات، الأمر الذي جذب الأنظار للكويت كدولة تنعم بالاستقرار الداخلي، ومقومات الموازنة بين السلطات بشكل فريد من نوعه، لذا فقد هنأت الكويت بالتطلعات إلى الانطلاق إلى العالمية، وتعزيز العلاقات الخارجية، والاستمرار في تطوير مكانتها المتميزة ورفع راية السلام.
ولكن الرياح البرلمانية المضطربة قد أتت مؤخراً بما لا يتناسب مع سفن التنمية، وسط استمرار الشدّ والجذب، منطلقة من الحملات الانتخابية ومستمرة بين أعضاء البرلمان وأعضاء الحكومة قبل تسلمهم مهامهم، مما كان دافعا لتطرق سمو الأمير عبر خطاباته إلى الشعب مطالبا بتجديد النهج وتطبيق مبدأ المعالجة المنهجية للحياة السياسية.
ورغم مرونة الخطابات الرمضانية والنطق السامي ومحاولات طرح الحلول فإن الحياة السياسية دخلت مؤخراً في منعطفات من الطرق الملتوية، تكرر من خلالها احتقان لم يكن (كما عهدناه) تحت قبة عبدالله السالم، ولم ينتظر افتتاح الفصل التشريعي الذي كنا نتطلع له قبل عدة أيام، إنما اتخذ مسارا مستفزا، باعتقادي، وذلك بامتداده عبر المنصات الإلكترونية الإعلامية العامة التي تصل إلى جميع الدول الصديقة منها والمتربصة، مستخدما لغة التجريح والتهميش والإقصاء تجاه شخصيات وقع عليها الاختيار من رئيس مجلس الوزراء لتولي مهام تنفيذية، بل امتد التدخل إلى صلاحيات القيادة السياسية ليصل إلى زرع الفتن والتمادي في فرض الشروط على اختيار ولي العهد.
فلم تعد مسارات النصح مجدية، ولم تعد الدعوات لخفض حدة الاحتقان فاعلة، ولم يكن أمام سمو الأمير إلا الحديث إلى الشعب بصوت غلب عليه «الحزن والحزم» معا للإعلان عن «تعليق مجلس الأمة»... تلك المؤسسة التشريعية التي تستحق الصون والتقدير، ولم تلق من أعضائها (أغلبهم) إلا الاستغلال والتجريح، المؤسسة التشريعية ستخضع للتجميد وإعادة النظر في بعض المواد من دستور الكويت، على أمل أن تعود للانطلاق من جديد بعد انتهاء الفترة، وستصبح محور حديثنا في مقالات قادمة.
خلاصة الأمر: كل الدعم لقرار سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، وكل الثقة بحرصه على تصحيح المسار السياسي والاقتصادي، وكل التقدير لأحاديثه وخطاباته الداعية لانطلاق استراتيجيات تتخذ من الأمن والازدهار إطاراً لها.
كلمة أخيرة:
أستغرب ممن اتخذ من الحل وتعليق البرلمان وسيلة للشماتة والتجريح، والأجدى طرح الحلول لصيانة الحياة البرلمانية.
كلمة أخرى:
ما حدث يجعلنا على أمل أن يصبح التجميد «تجديداً» للحياة السياسية والاقتصادية معا.