حينما تتخبط الظروف السياسية وتصل إلى حدّ التعقيد والالتباس، يكون الناتج تدهوراً في نسيج الأمة، وهذا ما آل إليه حالنا في الوطن العربي.
إن المعرفة والاستقامة على توثيق الحقّ هما ثمرَتا الهداية، وقد تاهت الأمة العربية في تحديد أصالة الحقّ الفلسطيني، تاركة وراءها ركاماً من المعاناة المرّة.
لم يعِ ديدنُ الخَلق في انتقال المسؤولية وتقسيم الأدوار ليستردّ من وجودها الخطْو المتّزن، وما أصعب الصّبر على الخطو المتّزن!
ما جدوى تلك التضحيات من سيول الدم ورفات الشهداء والنساء والأطفال وزحف جيوش المعاقين وكبار السن الذين يُبادون كلّ يوم؟ لقد ابتعدت الأمة العربية عن تحديد التصور والكليّات الأساسية حتى اختلط عليها الصواب والخطأ، فاسْتوتْ كل التضحيات والتراب، ولقد اختلط عندها اليقين بين حاجة الشعب الفلسطيني لأبسط ضرورات العيش، والوصول إلى تلك الحاجة، فأصبحا أمرين في مفترق طرق.
وليسمح لي العقلاء بأن أؤكد أنني لا أبحث هنا عن مسالك الضمير مهما تكُن، لكنها أدت لدفع الشعب الفلسطيني ثمناً باهظاً، لِشرف الكرامة الإنسانية، تلك الكرامة الأبية المتوهّجة على وقود البشر بإصرار لا ينبغي إلّا لِشعبٍ مثله.
إذا كانت الأمة العربية قد عاشت مرحلة طويلة من مواكبة القضية الفلسطينية، فإنّ تلك المرحلة قد رحلت إلى مدارج التاريخ، وَلَمْ يبقَ غير الخطاب الذي سطّره الشعب الفلسطيني بدمائه والصورة التي ما زالت تحفرها أرواح الشهداء وأشلاء البشر حتى هذه اللحظة.
ليس لي ناقة ولا جمل في السياسة، ولكنّني أتألّم تلقائياً لمعطياتِ نتاجها المخزي والمهين الذي يتتابع علينا.
إنّني أتمزّق وأنا أرى أُمّة أكرمها الله تعالى بمزايا عالية، لو استُثمِرتْ إنسانيّاً لَرفعتنا عمّا وصلنا إليه.
وقد حبس العذر أمثالي حتى يغيّر أهل هذه الأمّة ما بِأنفُسِهم.
أنْعى إليكَ التّالي
أنْعى إليكَ مَعادناً ومناقِباً
ذابَتْ بها السَّكَراتُ بالفِكراتِ
أنْعى إليكَ مَواطِناً وكَمائناً
جادَتْ بها النَّظْراتُ بالعَبراتِ
أنْعى إليكَ أمانياً وتهانياً
تاهَتْ خُطى الآمالِ بالتَّبِعاتِ
أنْعى إليكَ خَواطراً وبَوادِراً
عادَتْ عُلا سَبَحاتِها عَثَراتِ
أنْعى إليكَ لَطائِفاً ونَوافِحاً
آلَتْ لَها الهَفَواتُ بالظُّلُماتِ
أنْعى إليكَ رَكائباً ونَواصياً
ذَهَبَ الرِّجالُ بخَطْوِها حَسَراتِ
أَنْعى إِليكَ وما لِنَعْيي سامِعٌ
يَدّارَكُ الأفْعالَ بالتَّبِعاتِ
أيا أخي الأسيرُ.. ألا أمَلٌ؟
ألا لَيتَني مثلُ طيرٍ طَليقٍ
ويحمِلُ سُهدي الجَوى بِدُعاءِ
تُهَذِّبُ فيَّ التجاربُ ضيقي
وقَلْبي يُراعى بِوسْعِ انتمائي
فيا مُلبِسي الصّبرَ بعدَ ظُنونٍ
يَجوْلُ بِجُنْحٍ دَواءُ وَفائي
أللقلبِ وَصْلٌ وذاكَ فِراقٌ
وَللهجرِ قَصْمٌ وذاكَ رَجائي
يطولُ اشْتياقي وفَيضُ دُموعٍ
بِعينيَ سِرْبٌ وذاكَ غِذائي
فلا تَسْحَقيني رياحَ الدَّواهي
ولا تخذُليني بَقايا إخائي
إذا عَزَّتِ الفُلْكُ منْهُ الرُّؤى
خَطيفَ الفُؤادِ، شِراعي عَزائي
دَعوا مَوقِدي والشِّهابُ منارٌ
فقَدْ يرتَوي بالمنونِ بَهائي
رِسالةٌ إلى شَعْبِ فِلسْطينَ
طالَ الذُّبولُ وذَيلُ التّيهِ عَنْ ثَمَرِ
دعْ ما سِواكَ بحَصْرِ الإرثِ والخَبَرِ
دَعْ عَنْكَ مِنْ قِصَصِ التارِيخِ أَكْذَبَها
واتْلُ الرُّقى وَيْ كأنَّ الحَقَّ في خَطَرِ
لعلَّ ذنبَكَ مِن شعبٍ قُسِمْتَ بهِ
مِنْ كَبوةِ الحَظِّ ما يرميكَ للقَدَرِ
غُصْنُ المَدائِنِ تسْتَسْقي نَوابضُهُ
مَدَّ الحُتوفِ كمَدِّ السَّهْمِ بالوَتَرِ
كأنَّ خَطْوَكَ مِحْرابٌ، مَسالِكُهُ
مُرُّ الشُّجونِ ومُرُّ الصَّدْعِ والسّيَرِ
فلا مُجيبٌ، جَناحا أُمَّتي قُطِعا
ولا مَجالَ لِصَيدٍ صارَ بالأثَرِ
فاضَ الضَّميرُ وصَدْرُ الحُرِّ عَنْ صوَرٍ
والحِبْرُ مِنْ لَونِهِ المِمْحاةُ لم تَثُرِ