عشية انعقاد القمة العربية في البحرين، التي تتصدرها القضية الفلسطينية والحرب الاسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عراقيل أمام خطة تطرحها دول عربية لإنهاء الحرب وتحديد سبل دعم غزة بعد انتهائها. وجدد نتنياهو أمس رفضه القاطع لإقامة دولة فلسطينية، وهو ما تشترطه القوى العربية الفاعلة للانخراط بالجهد الذي يتم نقاشه حالياً مع الولايات المتحدة.
ومن دون أن يسمّي الخطة العربية التي كشفت عن ملامحها «فايننشيال تايمز»، اكتفى مكتب نتنياهو، أمس، بإصدار بيان يشدد فيه على أن حكومته رفضت بالإجماع قراراً صادراً عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يشجع على الاعتراف بدولة فلسطينية أخيراً.
وقال نتنياهو، المعارض بشدة لـ «حل الدولتين» الذي تضغط واشنطن للعمل على إعادته إلى طاولة إنهاء النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين: «لن نسمح لهم بإقامة دولة إرهابية يمكنهم من خلالها مهاجمتنا بشكل أكبر»، مضيفا «لن يمنعنا أحد، نحن إسرائيل، من ممارسة حقنا الأساسي في الدفاع عن أنفسنا، لا الجمعية العامة للأمم المتحدة ولا أي كيان آخر».
ضغوط وآمال
ومع تزايد الضغوط الأميركية الرامية للجم توسيع إسرائيل عمليتها العسكرية بجنوب القطاع الملاصق لسيناء المصرية، لتفادي انتقال شظايا الحرب إلى المزيد من الجبهات، ذكر مسؤول إسرائيلي كبير أن وزير الدفاع يوآف غالانت، يحاول إجراء تعديلات على العملية العسكرية في رفح «لتقليل الاحتكاك مع إدارة الرئيس الأميركي بايدن».
وفجر غالانت امس ازمة باعلانه إن جهوده لإثارة قضية الحكم في غزة بعد الحرب منذ أكتوبر «لم تجد استجابة» داخل الحكومة. كما دعا نتنياهو إلى إعلان أن إسرائيل لن تسيطر مدنيا على غزة وايجاد حكومة مدنية بديلة لـ «حماس» مضيفا: «سأعارض أي حكم عسكري إسرائيلي لغزة لأنه سيكون دمويا ومكلفا وسيستمر أعواما».
وأمس، أفادت وزارة الخارجية الأميركية بأنها مررت مقترح بمشروع قانون لتقديم مساعدات عسكرية تشمل ذخيرة للدبابات ومركبات تكتيكية وقذائف هاون لإسرائيل بقيمة مليار دولار إلى «الكونغرس»، لكنّ البيت الأبيض أعلن أن بايدن سيستخدم حق «الفيتو» ضده إذا تم إقراره من قبل المشرّعين لأنه سيحد من قدرتها على ممارسة سياسية خارجية فاعلة بعد تلويحها بوقف تزويد تل أبيب بأسلحة هجومية إذا وسّعت اجتياحها لرفح.
وفي موازاة ممارستها للضغوط، تسعى إدارة بايدن من خلال إيفاد سوليفان إلى السعودية وإسرائيل ضمن جولة إقليمية خلال أيام لإحياء محادثات التطبيع بين المملكة العربية والدولة العبرية، واحتواء التوترات بشأن رفح، إذ أخبر 3 مسؤولين أميركيين وإسرائيليين على دراية بالخطط، موقع أكسيوس، أن الرياض وعدة دول عربية شددت على أنه في حال شنّت إسرائيل اجتياحا كبيرا للمدينة المكتظة بأكثر من مليون نازح، فإن ذلك سيعوق التطبيع والتضامن الإقليمي بمواجهة إيران.
ورغم تضاؤل الآمال بتحقيق اختراق كبير، يناقش سوليفان خلال زيارته للرياض التي يتوقع أن يلتقي بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مشروع معاهدة الدفاع الأميركية - السعودية، على أمل الوصول إلى تفاهم بشأن التطبيع يمكن طرحه على نتنياهو الذي سيشمل جانبه من الصفقة إنهاء حرب غزة والالتزام بمسار نحو دولة فلسطينية.
القمة والفوضى
وعشية انعقاد القمة العربية في البحرين التي ستركز على القضية الفلسطينية، أوضح دبلوماسي عربي في الخليج مطّلع على اجتماعات وزراء خارجية المجموعة العربية الخماسية، السعودية ومصر والإمارات وقطر والأردن، أنّ النقاش ينصبّ أولًا «على سبل الضغط من أجل وقف إطلاق النار وتسهيل دخول مزيد من المساعدات للقطاع المحاصر»، لكن «سياسياً يتمحور حول الضغط على الولايات المتحدة من أجل أمرين، إقامة دولة فلسطينية والاعتراف بها في الأمم المتحدة».
وفي وقت يحاول الزعماء العرب العمل مع إدارة بايدن لتقديم الدعم المتبادل لخطة اليوم التالي لانتهاء الحرب، جدد الوزير بلينكن تأكيد ضرورة وضع خطة واضحة لمستقبل القطاع.
وقال بلينكن خلال مؤتمر في كييف أمس: «إن إسرائيل بحاجة إلى خطة واضحة وملموسة لمستقبل القطاع»، مشيراً إلى أن إعادة تشغيل معبر رفح الذي احتلت إسرائيل جانبه الفلسطيني يوم 7 الجاري، تمثّل ضرورة ملحة.
تحذيرات ومساندة
وعشية انعقاد جلسة استماع لمحكمة العدل الدولية بهدف النظر في فرض إجراءات عاجلة لحماية الفلسطينيين برفح، دعا مسؤول السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إسرائيل إلى إنهاء عمليتها العسكرية في رفح فوراً، محذّراً من أن استمرار العملية بالمنطقة المكتظة بالنازحين سيفرض حتماً ضغوطا شديدة على علاقتها بالاتحاد.
وأمس، زعمت سلطات الاحتلال أنها طلبت من مصر فتح الحدود أمام النازحين من رفح وإعادة تشغيل المعبر البري لإدخال المساعدات، لكنها رفضت.
وردت القاهرة على لسان مصدر مسؤول بتأكيد أن إسرائيل هي المسؤولة عن غلق المعابر مع غزة، محمّلة إياها المسؤولية الكاملة عن تدهور الأوضاع الإنسانية بالقطاع وبمحاولة ليّ الحقائق.
وجاء ذلك في وقت حذرت أوساط عبرية من احتمال انسحاب القاهرة من جهود الوساطة الرامية لإبرام اتفاق هدنة وتبادل محتجزين، على خلفية توتر العلاقات الناجم عن احتلال إسرائيل لمعبر رفح ودخول القوات الإسرائيلية للأحياء الشرقية بالمدينة الحدودية، حيث سجلت حركة نزوح لنحو 450 ألف فلسطيني منها منذ أسبوع، وسط أوضاع إنسانية كارثية.
وفي أنقرة، شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن بلده ستواصل «الوقوف إلى جانب حماس، التي تناضل من أجل استقلال أراضيها، والدفاع عن الأناضول»، مؤكدا أنه تعرّض للانتقادات من الداخل والخارج، لوقوفه إلى جانب الحركة الفلسطينية». وحذّر من أنه «إذا لم يتم إيقاف الدولة الإرهابية بغزة، حيث تدافع حماس بالخطوط الأولى عنّا، فإنها ستمد أطماعها إلى الأناضول بحجة أرض الميعاد».
ميدانياً، ذكرت «كتائب القسام» أنها تمكّنت من قتل 12 جنديا خلال هجوم مركّب في مخيم جباليا بشمال القطاع، وقالت إنها خاضت مواجهات عنيفة ضد القوات الإسرائيلية المتوغلة في مخيم النصيرات بوسط القطاع في رفح بجنوب القطاع، حيث أقر الجيش الإسرائيلي بمقتل أول جندي له هناك.
وبينما أعلن الجيش انسحابه من حي الزيتون في مدينة غزة مركز القطاع الذي يحمل الاسم نفسه بعد أسبوع من العمليات، أفادت تقارير عبرية بأن أغلب التقديرات لدى الجنود ترى أن العمليات الجديدة في «جباليا» عبثية وتهدف للضغط الإعلامي على «حماس» من دون أهداف واضحة. في غضون ذلك، تسبب القصف الجوي والمدفعي الإسرائيلي على عموم القطاع في مقتل 60 وجرح العشرات، فيما قتلت فلسطينية برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات أعقبت مسيرة «إحياء ذكرى النكبة» في الضفة الغربية.
وأتى ذلك في وقت كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن واشنطن تشكك بقدرة إسرائيل على حسم المعركة، وتتخوف من «تورّطها في حرب أبدية» بعد تحوّل «حماس» إلى تكتيكات قتال العصابات.