بقايا خيال: سياسي ومُشَرِّع... تحت التدريب!!
كمراقب للأوضاع المحلية، أمنّي النفس دوماً برؤية مرشح برلماني واحد على دراية بكل مواد الدستور ولائحته الداخلية، كي يبدأ بالتشريع الصحيح وسن قوانين غير مناقضة للقوانين السائدة، وغير قابلة لكثير من التعديل فيما بعد، فمنذ سنين طويلة نعرف الأسلوب الحكومي نفسه في تعامله مع الخريج الكويتي الجامعي الذي درس أغلب المواد الدراسية الجامعية نظرياً، وحصل على شهادة عليا خالية من الممارسة العملية، ثم يبدأ فترة تدريب عملي بعد التحاقه بالوظيفة، وهي فترة قد تمتد سنة أو سنتين أو أكثر حسب شطارة هذا الموظف الجامعي في استيعاب التدريب ليبدأ بعدها التطبيق العملي.
أقول إذا كان هذا الأسلوب الغريب نفسه يطبقه السياسيون أو مشرعو المستقبل الجدد، الذين التحقوا بحقل التشريع للتو، فكيف نستطيع تطوير العمل البرلماني التشريعي والرقابي إلى الأفضل بدلاً من أن يكون دور مجلس الأمة محدداً بحقل للتدريب تارة، وقناة للتربح تارة أخرى؟ ولو كان كلامي هذا منافياً للواقع وغير صحيح، فلماذا لم يغير المشرعون السابقون البند الرابع من المادة الثانية من اللائحة الداخلية، التي تنص على أن يشترط في عضو مجلس الأمة أن يجيد قراءة اللغة العربية وكتابتها؟
وإذا كانت أغلب دول العالم المتقدم تشترط في المرشح لعضوية البرلمان أو الكونغرس أو مجلس الشعب أن تكون لديه خلفية قانونية، ليتمكن من صياغة قوانين تتلاءم مع الدستور أو غير مناقضة لقوانين أخرى معمول بها، كأن يكون عمل محامياً أو قاضياً؟ ولماذا لم يتغير هذا البند منذ أن عرفنا «دستور دولة الكويت» قبل أكثر من ستة عقود من الزمن حتى يومنا هذا؟
ومع احترامنا لكل الأعضاء السابقين، فقد مر على مجلس الأمة طوال تاريخه كل أشكال الأعضاء، وهم في حقيقة الأمر أشباه موظفين جاؤوا للتدرب والتربح، وفي غالبهم «يا دوب يفكون الخط»، لأنهم لم ينهوا تعليمهم الابتدائي، ناهيك عن المدرس والطبيب والمهندس غير الملمين بكيفية صياغة الأساليب القانونية، وما عليك إلا أن تتابع تخبط المرشحين حتى بعد نجاحهم وتحرشهم الجاهل بصلاحيات رئيس الحكومة وأسوأ مراحل التحرش الأعمى التعرض لصلاحيات صاحب السمو الأمير، حفظه الله ورعاه.
فالمادة الرابعة من الدستور تؤكد أن ترشيح واختيار ولي العهد حق خالص للأمير لا ينازعه عليه أحد، حتى إن نصت هذه المادة صراحة بمبايعة من مجلس الأمة، فهي تنص على أن «الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، ويعين ولي العهد خلال سنة على الأكثر من تولية الأمير، ويكون تعيينه بأمر أميري بناء على تزكية الأمير ومبايعة من مجلس الأمة تتم في جلسة خاصة بموافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس». إذاً لماذا يكابر البعض، قبل وبعد أن صاروا نواباً ولم يؤدوا القسم بعد، وكأن بيدهم الحل والربط في مسألة اختيار ولي العهد؟ ولماذا يتصرفون وكأنهم يجهلون صلاحيات رئيس السلطات الثلاث المتمثلة برئيس الدولة؟
وأسوأ أشكال غباء هذا التحرش يتمثل بالسؤال: ماذا لو كان البرلمان منحلاً خلال فترة اختيار ولي العهد، فهل سيتجرأ النواب على الوقوف ضد الرغبة الأميرية السامية بعد عودة الحياة البرلمانية؟ أعتقد أنهم بالغوا في حماسهم البرلماني أو الدستوري، رغم أن أغلبهم لا يحفظون أكثر من مادتين أو ثلاث من هذا الدستور، وهذا ما دفع بحل المجلس بسبب «طفاقة» بعض النواب حتى قبل تحصنهم بالحصانة البرلمانية.
لهذا أعتقد أن تعديل قانون الانتخاب سيكون من صميم عمل اللجنة التي ستشكل لتنقيح الدستور، كي يكون المرشح لعضوية مجلس الأمة جامعياً متخصصاً في القانون، طالما كان التشريع من صميم عمل النائب.