عقد الرئيس الصيني شي جينبينغ، أمس، محادثات مجموعة موسعة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في قاعة الشعب الكبرى ببكين، ووقَّعا على بيان حول تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي.
وبعد ساعتين ونصف الساعة من المباحثات المصغرة والموسعة، أشاد الرئيسان الصيني والروسي بالعلاقات المتنامية بين بلديهما، لما تشكِّله من عامل «استقرار» و«سلام» لا تصب في مصلحة البلدين الكبرى فحسب، بل هي مواتية للسلام أيضاً في العالم، وأكدا توافق الصين وروسيا على ضرورة التوصل إلى «حل سياسي» للنزاع في أوكرانيا.
وأشار الزعيم الصيني إلى أنه التقى بوتين 40 مرة على الأقل على مر السنين، وأكد له أن «الصين مستعدة للعمل مع روسيا لدعم الإنصاف والعدالة في العالم»، مشدداً على أن «العلاقة بنيت بجهود مضنية، وينبغي على الطرفين الاعتزاز بها ورعايتها».
ولفت الرئيس الصيني، في مؤتمر صحافي مع بوتين، إلى أن العلاقات مع روسيا صمدت أمام اختبار تقلبات الوضع الدولي. وشدد على أنها أصبحت معياراً للعلاقات بين الدول الكبرى.
وقال شي: «الصين تعمل مع روسيا بوصفها جارة وصديقة وشريكة جيدة، ولديها ثقة متبادلة، ومستعدة لتوطيد الصداقة بين الشعبين للأجيال القادمة».
وأوضح أن العام الحالي يصادف الذكرى السنوية الـ 75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وروسيا، وهو عام مهم وفارق في تاريخها. وعلى مدار السنوات الـ 75 الماضية، وجدت الصين وروسيا معاً مساراً جديداً للدول الكبيرة والدول المجاورة للتعامل مع بعضها البعض باحترام، والسعي إلى الصداقة والتعاون متبادل المنفعة.
وقال شي وبوتين إلى جانبه: «يتفق الجانبان على أن الحل السياسي للأزمة في أوكرانيا هو السبيل للمُضي قُدماً، وموقف الصين من هذه المسألة كان واضحاً على الدوام، وتأمل أن يتم إحلال السلام والاستقرار سريعاً في القارة الأوروبية، وستواصل أداء دور بنَّاء لهذه الغاية».
مبادرة ونفوذ
بدوره، أعرب بوتين لنظيره الصيني عن «امتنانه» على «مبادرته» للسلام في أوكرانيا، وقال: «نحن ممتنون لأصدقائنا ونظرائنا الصينيين للمبادرات التي يعرضونها لحل هذه المشكلة».
وقال بوتين: «العلاقات بين روسيا والصين ليست انتهازية، وليست موجهة ضد أي أحد. تعاوننا يشكِّل عامل استقرار على الساحة الدولية، ومعاً ندعم مبادئ العدالة ونظاماً ديموقراطياً عالمياً يعكس الوقائع المتعددة القطب، ويكون مبنياً على القانون الدولي».
وفي وقت تتعاون الولايات المتحدة مع أستراليا والمملكة المتحدة لمواجهة النفوذ الصيني، رأى الرئيس الروسي أن أي تحالف سياسي وعسكري «مغلق» في منطقة آسيا والمحيط الهادئ «مضر».
وقال بوتين: «لا يوجد مكان لتحالفات عسكرية سياسية مغلقة. نعتبر أنه من المضر جداً إنشاء مثل هذه التحالفات ويؤدي إلى نتائج عكسية».
وأكد أن الصين هي الشريك الرئيسي لروسيا في المجال التجاري والاقتصادي، وأوضح أنه «وفقاً لنتائج العام الماضي، جاءت روسيا بالمركز الرابع في قائمة الدول الشريكة التجارية للصين. الموافقة على خطة التنمية للمجالات الرئيسية للتعاون الاقتصادي الروسي الصيني حتى عام 2030 بعد زيارتك لموسكو في مارس 2023 لعبت دوراً مباشراً في التطور».
وحدد الرئيس الروسي مجالات الطاقة والصناعة والزراعة من بين أولويات الاجتماع، كما أشار إلى التعاون في مجال التقنيات العالية والابتكارات وبناء البنية التحتية والنقل.
وقال بوتين خلال الاجتماع: «راكمت موسكو وبكين بالفعل قدراً كبيراً من التعاون العملي»، مشيراً إلى أنه في عام 2023 زادت التجارة بين البلدين بنحو الربع، ووصلت إلى رقم جيد قدره 227 مليار دولار».
تسوية سياسية
وفي بيان مشترك، شددت بكين وموسكو على ضرورة تجنُّب أي «تصعيد» جديد في أوكرانيا يدفع لمرحلة لا يمكن السيطرة عليها، وأكدا «ضرورة» تجنُّب أي خطوة «تساهم في إطالة أمد الأعمال القتالية وتصعيد جديد في النزاع»، في إشارة للغرب الذي يكرر الكرملين تحميله مسؤولية تسليح أوكرانيا.
ونص البيان على أن روسيا والصين تريان أن التسوية السياسية هي السبيل الصحيح لحل الأزمة الأوكرانية، وموقف الصين بشأن هذه القضية واضح وثابت: الالتزام بقواعد ومبادئ وميثاق الأمم المتحدة، واحترام السيادة الوطنية والسلامة الإقليمية لجميع البلدان واهتماماتها الأمنية الرشيدة من أجل تشكيل هيكل نظام جديد متوازن وفعَّال ومستدام.
وأعرب الجانب الصيني عن أمله في استعادة السلام والاستقرار بسرعة في القارة الأوروبية، وأكد استعداده لمواصلة دوره البنَّاء.
وحضر بوتين مع شي مراسم افتتاح العام الثقافي الصيني- الروسي، وحفلاً موسيقياً خاصاً بمناسبة الاحتفال بالذكرى الـ 75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية، كما التقى بوتين رئيس الوزراء لي تشيانغ، الذي أكد رغبة بلاده في «مواصلة تعميق التعاون في مجالات مختلفة».
وأفاد مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، بأن بوتين وشي وقَّعا على بيان تعميق علاقات الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي، إضافة إلى عشر وثائق ثنائية تم إعلانها بحضورهما.
وذكر أوشاكوف أن وثيقة الشراكة المفصلة تتضمن أكثر من 30 صفحة، و«تشير إلى الطبيعة الخاصة لعلاقاتنا الثنائية، وتحدد المزيد من الطرق لتطوير مجموعة العلاقات الثنائية بأكملها، وتؤكد الدور القيادي لروسيا والصين في تشكيل نظام عالمي عادل وديمقراطي».
وقالت «الخارجية» الصينية، في بيان لها، إن تطور العلاقات الصينية- الروسية أصبح بمنزلة «عامل إيجابي للحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وإضفاء الطابع الديموقراطي على العلاقات الدولية».
وأكد البيان أن «الصين وروسيا، باعتبارهما عضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي، ومن دول الأسواق الناشئة الرائدة، تعملان على تعميق التعاون الاستراتيجي، وتوسيع نطاق التعاون متبادل المنفعة، وقد اتخذتا خياراً استراتيجياً مشتركاً تماشياً مع النزعة التاريخية لتشكيل عالم متعدد الأقطاب والعولمة الاقتصادية».