في الصميم: «الضرس ليمن رقل من شلعته لا بد»

نشر في 17-05-2024
آخر تحديث 16-05-2024 | 20:20
 طلال عبدالكريم العرب

«الضرس ليمن رقل من شلعته لابد»، مقطع من زهيرية كويتية للشاعر المرحوم حمود الناصر البدر، ولمعناه العميق أصبح مثلاً يُضرب به، فرقَل هنا تعني تخلخل، وشَلّعتَه تعني خلعه، فهو مثل حكيم يُلخص طريقة الخلاص من العلة المستعصية التي لا أمل في علاجها، والتي تهدد استقراره، وتزعزع تماسكه، وتنخر في جذوره، فيصبح من الخطر بقاؤه.

لم يكن قديماً هناك طبيب أسنان ليعالج ألم الأسنان وتنظيفها من السوس إذا نخر فيها، ولهذا ليس هناك من علاج للضرس الفاسد إذا تفاقمت آلامه غير خلعه، واجتثاثه من جذوره، فهو مثل إيحائي، إذ لن يتم التخلص من مَواطن الإزعاج أو الخطر أو المرض ما لم يتم اقتلاعها من أساسها.

وهناك مثل آخر يقول: «لَيَ عَوّرك ضِرس الأضراس، إدّواه شَلّع الحديدة»، وضرس الأضراس هو الرحاة الأخيرة من الفك، وعَوّرك أي آلمك، والمقصود بالحديدة هنا هي أداة خلع الضرس، وفي فلسطين قالوا: «اقلع السن واقلع وجعه»، وفي الجزائر: «الضرسة العليلة، والملحلة الثقيلة، والزوجة الهبيلة، زولهم ترتاح»، وفي المغرب: «اللي حرقتوا الضرسة، يفتش على الكلاب»، والمقصود هنا أن صاحب الحاجة، أو المتضرر هو مَنْ يجب عليه إيجاد وسيلة العلاج المناسبة، حتى يتخلص من موطن الألم، كالإنسان إذا ما أصابه ورم سرطاني، فلابد من استئصاله، وإلا تسبَّب في هلاكه.

كذلك إذا ما تفشى وباء الفساد والتزوير والرشوة في بلد ما، فهي بداية نهايته، وإذا غابت سيادة القانون عن أمة ما، وعمَّت فيها الفوضى، وارتفعت نبرة الخطاب المتطرف، وطغى عليها الجهل والتخلف العلمي، وساد فيها الهرج والمرج، واختفت القيم والمبادئ، وضُيعت الهوية الوطنية وتغلبت عليها الانتماءات القبلية والطائفية والحزبية، وإذا أعيت ذوي الحل والربط حل عُقدها، عندها لابد من الاقتلاع المؤلم لمَواطِن الخلل من جذورها ومصادرها.

وهناك أمثال في كل بلاد العالم متفقة على أن آخر الدواء هو الكي، وأن اجتثاث العلة من جذورها هو الحل الأخير للتخلص منها. هو علاج مؤلم لا شك فيه، لكنه ناجح ومضمون، وهو مثلٌ ذو تورية ودلالة يُقصد به الإشارة إلى أمور مصيرية لابد من البت فيها.

اجتثاث الفساد المستشري مؤلم وصعب، كاقتلاع السن الفاسدة، لكن مقدور عليه إذا ما تضافرت جهود وهمم وإرادة الجميع بنيَّات صادقة خالية نقية من كل أطماع السُّلطة والمال، عندها لن يستطيع أحدٌ، مهما كان وضعه أو منصبه، صدَّها.

الأمور المصيرية لأي أمة لا تحل إلا بمواجهة قوى الفساد والفتنة بقوة أقوى منها، وقد قيل قديماً: «إن الحديد بالحديد يُفلَحُ»، وهو مثل عربي ينطبق معناه على مثل «لا يفل الحديد إلا الحديد»، وهو مثل يُضرب للصعب الذي لا يتغلب عليه إلا القوي القادر العازم.

حفظ الله بلدنا من كل أمر لا يستقيم مع أمنه واستقراره، وحفظ الله أميرنا وقائد سفينتنا إلى بر الأمان.

back to top