رغم نشر فرنسا للمزيد من قوات الأمن لاستعادة السيطرة المفقودة في كاليدونيا الجديدة، سقط سادس قتيل في الليلة الخامسة من أعمال الشغب والنهب والاضطرابات التي اندلعت في هذا الارخبيل الذي يقع في المحيط الهادئ، على خلفية إصلاح انتخابي مثير للجدل.

وقال قائد قوات الدرك في كاليدونيا الجديدة، الجنرال نيكولا ماتيوس، أمس «سقط قتيل وإصابة شخصين في منطقة كالا-غومين» بشمال الإقليم الفرنسي.

Ad

ولفت مصدر إلى أن القتيل وأحد الجرحى كانا أباً وابنه يحاولان عبور حاجز أقامه منفذو أعمال الشغب.

وبذلك، ترتفع الى 6 حصيلة القتلى جراء أعمال الشغب، بينهم اثنان من عناصر الدرك، قتل أحدهما بإطلاق نار عرضي من زميل له أثناء مهمة أمنية.

وحذّر الوزير المحلي فايموا موليافا، أمس، من أن المستعمرة الفرنسية منذ أواخر القرن التاسع عشر أصبحت «على مسار تدميري»، قائلًا لمنفذي أعمال الشغب «أنتم تعاقبون أنفسكم فقط».

وحذّر المفوض الفرنسي السامي لوي لو فران من أن مناطق في الأرخبيل أصبحت خارجة عن السيطرة، وخصّ بالذكر ثلاثاً في نوميا الكبرى يسكنها سكان أصليون بشكل رئيسي.

وتسعى القوات الفرنسية الى إعادة الهدوء. وقامت فرق من مشاة البحرية والشرطة المدججة بالسلاح بدوريات في العاصمة نوميا حيث تغطي الشوارع آثار أعمال العنف الليلية.

ووسط المباني والسيارات المحترقة خصوصاً في حيّ ماجينتا، انتشرت وحدة من شرطة مكافحة الشغب في محاولة لفرض السيطرة على المنطقة، وأبلغ السكّان، الذين لجأوا الى إقامة إجراءات حماية خاصة في انتظار عودة الهدوء، عن سماع دوي إطلاق نار وتحليق مروحيات و«انفجارات كبيرة».

ووصل ألف عنصر إضافي من قوات الشرطة والدرك الفرنسية إلى الأرخبيل ليل الخميس - الجمعة، للانضمام الى 1700 من زملائهم المنتشرين أساسا.

ومن المقرر أن يساهم هؤلاء العناصر الجدد في إعادة الاستقرار الى مناطق التوتر الثلاث في نوميا الكبرى التي يقطنها سكان أصليون بشكل رئيسي. ومنذ الأحد أوقفت الشرطة 163 شخصا بينهم 26 مثلوا أمام القضاء، بحسب النيابة العامة.

طوابير أمام المحال

واصطف مئات الأشخاص أمام المتاجر، على أمل التزوّد بمواد غذائية وإمدادات. وقال أحد موظفي سوبرماركت في ماجينتا امس «تبضّعوا خلال 10 دقائق للسماح للجميع بالحصول على إمدادات».

وقدّرت مجموعة أعمال محلية الأضرار المتركّزة بشكل خاص في نوميا، بنحو 217 مليون دولار. الا أن الضرر الذي يلحق بسمعة الأرخبيل قد يكون أكبر، اذ تُعدّ السياحة مصدر دخل أساسيا. وتقطّعت السبل بنحو 3200 سائح ومسافر في الأرخبيل وخارجيه بسبب إغلاق مطار نوميا الدولي جراء أعمال العنف.

ورغم دعوة «خلية تنسيق العمل الميداني» إلى «الهدوء لكسر حلقة العنف»، وُضع 10 من «قادة» هذه المجموعة الأكثر تطرّفاً في «جبهة تحرير شعب الكاناك الاشتراكية»، قيد الإقامة الجبرية بشبهة رعايتهم أعمال العنف، بحسب وزير الداخلية جيرالد دارمانان، الذي أكد أن المجموعة «منظمة مافيوية وعنيفة».

ومن دون ذكر صلة مباشرة بأعمال العنف، اتهم وزير الداخلية الفرنسي أذربيجان بالتدخّل في الأرخبيل، متحدثاً عن «انتشار هائل ومنسق» لمحتوى عبر حسابات مرتبطة بها، وهو ما نفته باكو بشدة.

وقال الوزير الفرنسي الخميس رداً على سؤال عن تدخل أذربيجان والصين وروسيا في الأحداث: «يؤسفني أن بعض القادة المؤيدين للاستقلال في كاليدونيا توصلوا إلى اتفاق مع أذربيجان. إنه أمر لا جدال فيه».

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأذربيجانية، أيهان حاجي زاده: «إننا نرفض تماماً الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة. نحن ننفي أي صلة بين قادة النضال من أجل الحرية في كاليدونيا وأذربيجان».

وفي صور تم تداولها على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي الفرنسية، يظهر بعض المؤيدين للاستقلال وهم يرتدون قمصانًا مزينة بالعلم الأذربيجاني.

وتصاعدت التوترات بين باريس وباكو في أعقاب حرب 2020 والهجوم الخاطف في عام 2023 الذي شنته أذربيجان لاستعادة السيطرة على منطقة ناغورنو قره باغ من الانفصاليين الارمن. وفرنسا هي «الحليف التقليدي» لأرمينيا كما، أنها موطن لعدد كبير من الشتات الأرمني.

وكانت أذربيجان قد دعت الانفصاليين من الأراضي الفرنسية في المارتينيك وغويانا الفرنسية وكاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية إلى باكو لحضور مؤتمر في يوليو 2023.

وأدى الاجتماع إلى إنشاء «مجموعة مبادرة باكو»، التي كان هدفها المعلن هو دعم «حركات التحرر الفرنسية ومناهضة الاستعمار». وأصدرت المجموعة بيانا هذا الأسبوع، «أدانت فيه التغيير الذي اقترحه البرلمان الفرنسي على دستور كاليدونيا الجديدة».

والجمعة، قالت الهيئة الفرنسية لمكافحة التدخل الرقمي الأجنبي «فيجينوم» إنها رصدت حملة عبر الإنترنت «ضخمة ومنسّقة» تدفع بمزاعم بأن الشرطة الفرنسية أطلقت النار على متظاهرين مؤيدين للاستقلال. وكانت السلطات اوقفت تطبيق تيك توك الصيني.

الحوار يتعثر

ويدور الجدل السياسي في الأرخبيل حول ما إذا كان ينبغي أن يكون جزءاً من فرنسا أو يتمتع بحكم ذاتي أو استقلال، مع انقسام الآراء على أساس عرقية.

وفرضت حالة الطوارئ بعدما تصاعدت المعارضة ضدّ إصلاح دستوري يهدف إلى توسيع عدد من يُسمح لهم بالمشاركة في الانتخابات المحلية ليشمل كلّ المولودين في كاليدونيا والمقيمين فيها منذ ما لا يقل عن 10 سنوات. ويرى المنادون بالاستقلال أنّ ذلك «سيجعل شعب كاناك الأصلي أقلية بشكل أكبر».

وترى مجموعات مؤيدة للاستقلال أن من شأن ذلك أن يضعف أصوات السكان الأصليين «الكاناك» الذين يشكّلون نحو 40 في المئة من السكان.

ودعت السلطات الفرنسية إلى الحوار، مشيرة إلى أن الوضع أصبح «أكثر هدوءاً».

وواجه «استئناف الحوار السياسي» الذي يدعو إليه الرئيس إيمانويل ماكرون عقبة مع إلغاء حوار عبر الفيديو كان مقرراً أن يعقده الخميس مع مسؤولين منتخبين محلياً.

وأكد الإليزيه أن الإلغاء مرده، لأن «الأطراف المختلفة لا ترغب في الحوار مع بعضها حاليا». وبدأ ماكرون أمس الأول إجراء مباحثات مع بعضهم.