الطاقة الشمسية أمام معضلة موسم الغبار الممتد
خبراء لـ «الجريدة•»: على الدولة عمل شراكات بينية مع المؤسسات الرائدة في مجال «المتجددة»
بداية، قال الخبير والاستشاري النفطي د. عبدالسميع بهبهاني، إن «الكهرباء» و«نفط الكويت» أعلنتا توقيع مذكرة تفاهم لإنتاج 1 غيغاواط من خلال الطاقة الشمسية، وتخلل بيان الإعلان مصطلحات غير مباشرة عن مبررات هذا التعاون منها تنسيق الجهود، والتعاون، وتذليل الصعوبات، ولم يشر البيان إلى الجهة المخولة بإنتاج الغيغاواط المستهدفة مباشرة.
بهبهاني: الكويت أعلنت التزامها بسياسة «تصفير الكربون» والتحوُّل إلى الطاقة البديلة مع عام 2050
وأضاف بهبهاني أن هذا يوحي بأن المشروع إعلامي، كما المشاريع السابقة، لافتا إلى أن البيان أشار إلى أهمية الطاقة المتجددة (البديلة) في خفض الانبعاثات الكربونية وأثر ذلك على ارتفاع الحرارة.
وذكر بهبهاني أن البيان أشار إلى مؤتمر الأطراف «كوب 27» و«كوب 28» والتزام الكويت الموقع على بيان «تصفير الكربون» والتحول إلى البديلة مع سنة 2050، كما أشار البيان كذلك إلى أهمية مواكبة الكويت لدول العالم في مشاريع «تصفير الكربون» بالتحول عن الطاقة الأحفورية إلى الطاقة البديلة (شمس وهواء)، فالكويت ودول الخليج غنية بالمصدرين البديلين عن النفط!
مشروع الدبدبة
واستحضر في هذا الإطار بيان معهد الأبحاث الذي صدر في عام 2018 حول تكملة مشروع الدبدبة، في مجمع الشقايا التابع للأبحاث، حيث قسم المشروع إلى ثلاث مراحل موزعة بين القطاعات النفطي والأبحاث، ووزارة الكهرباء، حيث تبدأ المراحل الثلاث بطاقة الرياح، ثم التركيز الحراري، الى الكهروضوئية.
وأوضح أن بيان الأبحاث أشار أيضاً إلى ان وحدات الكهروضوئي تتكون من خمس وحدات، كل منها تكفي لاستهلاك 8070 منزلاً! وسينتهي المشروع في 2030! وخلال فترة عمل المشروع، انسحب القطاع النفطي، وأعلنت الأبحاث الانسحاب بصورة غير مباشرة لصعوبة الظروف البيئية والمناخية في تحقيق الجدوى الاقتصادية. وتركت المؤسستان وزارة الكهرباء والطاقة لتتوسل بكل قطاع للإعانة في تكملة المشروع، بعد أن صرفت 1.5 مليار دينار فقط على وحدات الكهروضوئية، وفقدنا حينها الهدف الأساسي لتوفير براميل النفط المستهدفة الـ 6.2 ملايين برميل سنوياً.
وقال بهبهاني إنه انتقد جدوى المشروعات الثلاثة في حينها بعدة مقالات ومداخلات إعلامية من قبل 2010، «حيث إنه إذا جمعنا خسائر الصرف على المشاريع منذ الدبدبة 1985 نجدها تجاوزت 5 مليارات دينار، ومازلنا نريد أن نتعلم، ليس من خلال معرفة ظروفنا البيئية والمناخية وما لدينا من عوائق وإنما من خلال مقارنتنا مع دول العالم والدول المجاورة ذات البيئة المختلفة عنا»، متسائلا: «أين الشطارة في ذلك؟».
وأوضح أن الغرض من دخول مشاريع الطاقة المتجددة (شمس، هواء، هيدروجين، وذهب البعض إلى البحر أيضا!) يفترض أن يكون هدفه الأساسي واحدا، ولكنها تعددت على مر الأيام، فبدأت بتوفير في استهلاك براميل النفط المصدرة، ثم الرغبة السامية في المتجددة، ثم الطاقة المستدامة، ثم الطاقة النظيفة، ثم تلبية قرارات باريس 2015، ثم الالتزام بتوقيع مشروع «تصفير الكربون» في 2050، المعلن في مؤتمر الأطراف كوب 28.
وتابع: «كما نرى أن الأغراض تدرجت من جدوى اقتصادية وانتهت إلى جيوسياسية، وهنا يجب أن يقف الحديث عن الجدوى الاقتصادية. ما توصلنا بعد هذه المعاناة هو البحث عن مشغل من القطاع الخاص لمشروع الشقايا (بعد أن زرعنا مساحة 37 كم مربع بالألواح الكهروضوئية بأكثر من 1.5 مليار)، ولا نجد من يرغب في ذلك محليا أو دوليا».
ظروف مناخية
وذكر بهبهاني أن «هناك من احتج على تحليلاتنا السابقة حول فشل هذا النوع من المشاريع، بتطور التكنولوجيا بما يناسب الظروف المناخية للكويت، ومما لا شك فيه أن الطاقة الشمسية، في الظروف المعتدلة، مصدر مقبول باستعمالات السيليكون بانل (الواح) الاعتيادية».
وأردف: «أما في ظروف الكويت الحارة ذات الترسبات الرملية والكيميائية فنحتاج إلى ألواح مقاومة للحرارة كسيليكون بي في (Slicon PV)، وتشغيل يومي لإزالة ترسبات الأتربة والدقائق الكيميائية، وزيادة مضاعفة لمساحة حقول ألواح، لأن قدرة هذه الألواح 16% فقط من قدرة الألواح الاعتيادية»، لافتا إلى أن جميع عوامل النجاح السابقة التي ذكرتها هي ذات كلف عالية جدا، مما يبعدها عن تحقيق حتى أدنى جدوى اقتصادية للمشروع، وهذا ما حصل.
واستطرد: «الغريب أن لدينا تجربة منذ 1985 لم نتعلم منها، فإضافة إلى العائق التكنولوجي الأساسي لفشل المشروع، هناك أسباب إدارية أخرى كانتقال المشروع من مؤسسة إلى أخرى، ليست من صلب عملها، وتعارض المصالح بين المستشار والمشغل، فلم يحقق توفير البراميل ولا زيادة التوظيف، فأمسى مشروع الطاقة الشمسية عبئا على ميزانية الدولة».
وأضاف: «آمل أن تسود العقلانية في مشاريع الطاقة في الخطط القادمة، كطاقة الرياح، والهيدروجين»، متابعا: «لقد أثبتت المشاريع السابقة أنها استعراضية أكثر من أنها مهنية اقتصادية، فطالما أن القصد منه جيوسياسي، إرضاء لمعاهدات مؤتمرات الأطراف، لنترك ما بنيناه من حقول الألواح الشمسية كمنظر ليرضي أنصار الطاقة المتجددة!».
نسبة الكربون
وأضاف بهبهاني: «أكرر وأقول إن الحقيقة العلمية هي أن ارتفاع نسبة الكربون في الغلاف هو نتيجة ارتفاع الحرارة وليس العكس، والحقيقة الإحصائية هي أن ما ينبعث من الدول المنتجة للنفط أوبك لا يتجاوز الـ10% من الانبعاثات».
واستدرك: «لكم تمنيت (فيما طرحته سابقا من مقالات ولقاءات) أن يوجه 100 مليون من الخمسة مليارات لتجربة مشروعي الطاقة الحرارية الأرضية: تحريك توربينات المحولات الكهربائية، وتركيب مراوح حبس الكربون (CCUS) بين المصافي لدينا، ففي الوقت الذي يحذر معهد الأبحاث من التوسع في الطاقة المتجددة، نرى توقيع مذكرة تفاهم لإنتاج واحد غيغاوات بين وزارة الكهرباء ونفط الكويت، وصنبور الهدر المالي لا يتوقف!».
هدف الدولة
من ناحيته، ذكر وزير الكهرباء والماء سابقا م. محمد بوشهري أن توقيع هذه المذكرة يعد خطوة ممتازة في طريق تحقيق هدف الدولة بأن تكون هناك نسبة إنتاج للطاقة المتجددة بنحو 15% عام 2030، لافتا إلى أن ذلك لا يعد مطلبا من وزارة الكهرباء فقط، ولكنه أيضا يأتي كمساهمة من القطاع النفطي في هذا الاطار.
بوشهري: مشاركة القطاع النفطي في تلك المشاريع تخفف عن كاهل الدولة الدعم الذي يذهب إلى قطاع الكهرباء والماء
واضاف بوشهري أن القطاع النفطي يعد أكثر القطاعات في الدولة كقطاع صناعي يأخذ أكثر من 10% من إجمالي الإنتاج في استهلاك الطاقة الكهربائية، لافتا إلى أنه في حال اعتمد قطاع النفط على نفسه في إنتاج الطاقة فإن ذلك من شأنه تخفيف العبء عن وزارة الكهرباء من ناحية، والمساهمة في الحفاظ على البيئة، من خلال تقليل الانبعاثات الناتجة عن حرق جميع أنواع الوقود لإنتاج الطاقة التقليدية، وتمنى زيادة هذا الرقم تدريجيا، وأن تكون هناك مشاريع على نفس الخط من جانب وزارة الكهرباء.
وأشار بوشهري الى أن القطاع النفطي حينما يقوم بتلك المشاريع فإنه يوفر الدعم ويخفف عن كاهل الدولة الدعم الذي يذهب الى قطاع الكهرباء والماء، مشيرا الى أنه حينما كان في منصبه في «الكهرباء» كان يتم صرف مبالغ تتراوح بين 2 و3 مليارات دينار تحت بند شراء الوقود وكلفة التكاليف التشغيلية.
تغذية مباشرة
وفي مقارنة بين هذا المشروع ومشروع الدبدبة، أوضح بوشهري أن «نفط الكويت» تهدف الى بناء تلك المحطة داخل مرافق الشركة، حيث سيتم استخدامها بشكل مباشر لتغذية مرافق الشركة، أما مشروع الدبدبة، فإنه كان سيعمل على تغذية الشبكة الوطنية، موضحا أن الخلاف حول مشروع الدبدبة كان يكمن الذي سيقوم بالتنفيذ وبناء تلك المحطة، مؤكدا أنه لو كان هذا المشروع قد تم تنفيذه ولم يتم إلغاؤه لكان قد أخرج الكويت من أزمة الكهرباء الحالية.
بودي: معظم المؤشرات العالمية ومنها الطاقة تشير إلى أن الكويت تقبع في مراتب متأخرة رغم إمكاناتها المتوافرة
الحياد الكربوني
من جانبه، قال الخبير النفطي، د. خالد بودي، إن الكويت تسعى لتحقيق الحياد الكربوني، أي وقف تلويث الهواء بالوقود الأحفوري، وذلك عام 2050.
وأضاف: لا شك في أن هذا الهدف طموح جدا، ويتطلب جهودا ضخمة لتحقيقه في ذلك الوقت، لكن الكويت ستجد نفسها مضطرة لحشد الجهود لتحقيق هذا الهدف، وإلا سوف تتخلّف عن الركب في الوقت الذي تكون معظم دول العالم قد تحولت إلى الطاقة المتجددة بشكل كلي، أو اقتربت من تحقيق الحياد الكربوني. إن سطوع الشمس في معظم أوقات السنة عامل مساند للتوسع في استخدام الطاقة المتجددة بالكويت، بينما بعض الدول تغلب الأجواء الغائمة عليها. ولا شك في أن تحقيق هدف التحول إلى الطاقة المتجددة عام 2050 ليس من الصعب تحقيقه إذا تم التخطيط لهذا التحول بشكل جيد، وإذا تمت الاستعانة بأفضل التقنيات والخبرات.
وأعرب بودى عن أسفه أن تظل الكويت في أغلب المؤشرات العالمية، ومنها الطاقة، تقبع في مراتب متأخرة، رغم إمكاناتها المتوافرة، مشيرا الى أن هناك حاجة إلى وقفة جادة لمراجعة الأوضاع الحالية ودراسة سبل دفع مسار الدولة إلى الأمام، حتى يتسلم الجيل القادم بلد مزدهر يمكن العيش فيه بأمان واطمئنان.
الشريفي: ضرورة مُلحَّة لتوفير مساحات للمستثمرين
قال أستاذ صحة البيئة في كلية العلوم الصحية، د. فيصل الشريفي، إن تبنّي القطاع النفطي مشروع الطاقة المتجددة والطاقة النظيفة يُعد أمرا إيجابيا، لافتا الى أنه في البداية يجب التعرف على مدى التزامات البلاد تجاه إنتاج الطاقة النظيفة، والتي وضعت لها مدة زمنية محددة واستهدافات معيّنة يفترض أنها بدأت منذ فترة للوصول اليها.
وأضاف الشريفي أنه فيما يخص قضية إنتاج الطاقة الشمسية، وهو الموضوع الأكثر مهنيا والقابل للتطبيق في الكويت، إلا أنه يقابل بعض المعضلات، ولا شك في أن في مقدمتها موسم الغبار الذي يمتد في البلاد فترات طويلة، مطالبا الدولة بعمل شراكات بينية مع المؤسسات الرائدة في مجال الطاقة الشمسية من أجل تكويت المنظومة، وتحويلها الى ما يتناسب مع طقس البلاد، ولافتا الى أن الهدف من استخدام التكنولوجيا وتطويعها مع الشركات العملاقة أمرا ضروريا، لكون ظروف الطقس التي نتحدث عنها تختلف تماما عن دول أوروبا ودول شرق آسيا، حيث اننا لدينا درجات حرارة عالية، فضلا عن موسم الغبار الذي يمتد فترات طويلة على مدار السنة، مشيرا في هذا الصدد الى ضرورة تطوير التكنولوجيا الخاصة بالطاقة الشمسية من أجل رفع كفاءتها، وهذا جانب، أما من جانب آخر فهو موضوع مشاركة القطاع النفطي في إنتاج الطاقة، وهو موضوع حيوي ومهم، وهو التزام مجتمعي مقدّر، لكن من الصعب أن يكون القطاع النفطي منافسا لنفسه، لذلك لا بد من تشجيع القطاع الخاص ودعم المبادرين لإنتاج الطاقة الشمسية وتركيبها، خاصة أن سعر التكلفة الخاصة بإنتاجها يُعد منخفضا، لافتا الى أنه من الأهمية أن تقوم الحكومة في الفترة الأولى بشراء تلك الكهرباء من الطاقة النظيفة بسعر عادل حتى تشجع الاستثمار فيها، وأيضا تشجيع الأفراد من تركيب الشبكات والألواح الشمسية فوق منازلهم من أجل تعظيم هذه الرؤية وتحريك مستهدفات الدولة بشكل سريع، خاصة أن الكويت مرتبطة باتفاقات دولية كثيرة للحد من الكربون.
وأعرب الشريفي عن اعتقاده بأن تكون هناك أهمية ووضوح في الأهداف وآلية لشراء الكهرباء من القطاع الخاص، فضلا عن أهمية توفير مساحات للمستثمرين في هذا المجال.
كما أعرب أيضا عن تطلعه لتبنّي القطاع النفطي المبادرات الداعمة لمثل هذه المشاريع، لكونه شريكا استراتيجيا في الاقتصاد المحلي.