لفظة «المزدوج» في الكويت تُطلق على كل مَنْ حمل جنسية ثانية غير الجنسية الكويتية، وهناك نوعان من مزدوجي الجنسية، النوع الأول هو الكويتي أصلاً الذي حصل على جنسية أخرى لسبب ما، ومنهم مَنْ حصل عليها بالولادة أو بالتبعية، فهو كويتي ولا يزال كويتياً وولاؤه للكويت. أما النوع الثاني من المزدوجين، فهم الذين أصلاً غير كويتيين، بل هم مواطنون لدولة أخرى، لكنهم حصلوا على الجنسية الكويتية بطريقة أو بأخرى، فهم وُلدوا وترعرعوا وعملوا في بلدهم، فمن الطبيعي ومن واجبهم أن يكون ولاؤهم له.
هذه الفئة من السهل حل إشكاليتهم، فهم يعيشون في بلادهم، يحملون جنسيتها، ولن يكون الوضع صعباً عليهم في مواصلة حياتهم من غير الجنسية الكويتية. وهنا أريد أن أعيد مقالة رأيت أنها مهمة جداً كنت قد كتبتها في «القبس» الغراء بتاريخ 1/ 8/ 2008 تحت عنوان «والكويت من يفزع لها؟».
تعرَّفت مصادفة، خلال زيارتي لدولة عربية شقيقة، بأحد مواطنيها، هذا المواطن يعمل مدرساً في بلده، تباسطنا بالحديث، حتى أوصلنا حديثنا إلى الوضع في الكويت، وهل هناك غير الكويت، فهي حديث الساعة.
تشعَّب الحديث، وقادنا إلى الانتخابات الكويتية، فاكتشفت أن صاحبنا يحمل جنسيتين، فهو يحمل الجنسية الكويتية إلى جانب جنسيته الأصلية، وتبيَّن لي أنه لا هو ولا جماعته، الذين يحملون الجنسية الكويتية أيضاً، يعرفون الكثير عن مناطق الكويت، فاستغربت ذلك، إذ قال مُستدركاً: نحن نعرف فقط أماكن منازلنا الحكومية في الكويت، سألته، أتشاركون في الانتخابات الكويتية؟ فقال: بالتأكيد، ونشارك حتى في الفرعيات، فسألته، لكنك لا تعرف حتى مكان مجلس الأمة، فكيف تنتخب نوابه؟ فأجاب: أنا وجماعتي ننتخب ما يأمرنا به أميرنا، فسألته: هل يأتيكم المرشحون إلى هنا في بلدكم؟ فقال: بالطبع، وقد أتانا أحد النواب الإسلاميين، وعرض علينا انتخابه بمقابل، إلا أن أميرنا رفض، وفضَّل أن تكون فزعتنا لنائب منا وفينا.
سألته سؤالاً لطالما تمنيت طرحه، فقد سألته: لو، لا سمح الله، حدث إشكال بين بلدك وبين الكويت، فلمن تكون فزعتك؟ الحقيقة أن الرجل فوجئ، وتردَّد كثيراً، قبل أن يقول إنه سؤال صعب ومُحرج، لكنني أقولها صراحة: إن انتمائي وفزعتي سيكونان لوطني، وليس للكويت. ومع أن جوابه كان مؤلماً وجارحاً ومهيناً، لكنني لم أستغربه، فهذا هو واقع الحال لكل مَنْ يحمل جنسيتين.
ثم سألته: لماذا إذاً تحمل جنسية بلدٍ لن تفزع له، فأنتم أصلاً لا تعيشون في الكويت؟ فردَّ عليَّ، وبعفوية: لو كنت مكاني، هل ترفض الفوائد التي أجنيها منها؟ فنحن نشارككم في اختيار تركيبة مجلسكم، ونحصل في كل انتخابات على ألفين أو ثلاثة آلاف دينار لكل فرد، تأتينا إلى أبوابنا ثمناً لأصواتنا، كما أنني وجماعتي نستطيع التأثير في نتائج الانتخابات، وبالتالي قرارات وتوجهات نوابنا في مجلسكم، ونحن نستفيد بكل ما تستفيدون أنتم منه، من معاشات وعلاوات، واستفدنا من المئة والعشرين، ومن الخمسين أيضاً، ونملك كل الحقوق، كأي كويتي، بلا أي واجبات، فنحن نستفيد من السكن ومن التقاعد، إضافة إلى الواسطات النيابية، فمن يرفض منفعة كهذه؟ انتهى الحديث، وساد صمت حزين لي، وسعيد له.
كنت أسمع وأقرأ عن حاملي الجنسيات المزدوجة، لكن لم يخطر ببالي أن أسمعها صريحة من أحدهم. هناك عشرات الآلاف منهم، فماذا سيحصل للكويت إذا حصلت إشكالية، أياً كان نوعها، مع دولهم الأصلية؟ فولاؤهم لن يكون للكويت. من الواضح أن هذا الموضوع خطير جداً، فهم لكثرتهم يؤثرون في الحياة السياسية الكويتية، وينافسون أبناء الكويت في مساكنهم، وفي فرص عملهم، وقد يسبقونهم في ذلك، بفضل واسطات نوابهم.
الكويت هانت عند بائعي الولاءات، وتجار الإقامات، وعند مَنْ يرى ويسمع، فلا يحرِّك ساكناً، فلم يبق من يفزع لها إلا أهلها، والشرفاء الذين يعيشون على أرضها.