الآن بعد أن اضطررنا إلى حل مجلس الأمة وتعليق المواد الدستورية المتعلقة به، ألا يصبح ضرورياً السؤال عما إذا كانت الديموقراطية نظاماً صالحاً لنا ينسجم مع عاداتنا وتقاليدنا وما خبرناه وتعايشنا معه منذ سنين؟!
كثيراً ما سأل البعض: هل الديموقراطية صالحة لنا؟! وهل تتماشى مع عقلية ومجتمعات ما يسمى بالعالم الثالث أو العالم النامي؟! من الطبيعي، بعد حل مجلس الأمة حلاً غير دستوري للمرة الثالثة، وبعد تعليق بعض مواد الدستور وتأجيل انتخابات مجلس الأمة لمدة أربع سنوات على الأقل، بعد هذا تصبح الإجابة سهلة وربما واضحة أيضاً، وهي أن الديموقراطية فشلت وفشلنا في التعايش معها.
لكنّ الأمر ليس بهذه البساطة، وفي رأيي تبقى هذه إجابة خاطئة تماماً، ولا تعبّر عن حقيقة إمكانية أو عدم إمكانية استيعابنا وتأقلمنا مع النظام الديموقراطي، فممارستنا للديموقراطية أو تجربتنا لها، كما يحاول البعض أن يسميها - خطأً - وأقول «خطأ» لأنها ليست تجربة، بل نظامنا السياسي الذي اعتمدناه وآمنا به، ممارستنا للديموقراطية لم تتم في أجواء سليمة ورعاية حيادية، لهذا لا يمكن اعتماد نتائجها والإيمان بما آلت إليه.
إن التجربة يجب أن تُجرى في ظروف حيادية وشروط تضمن عدم انحراف أو انحياز نتائجها سلباً أو إيجاباً، تجربتنا الديموقراطية، إن جاز تسميتها بذلك، جرت تحت إشراف معادٍ لها وبيئة حرّفت وشوهت بهدف إفشالها، لهذا كان يجب أن تفشل، ولهذا كانت مع الأسف عقبة في وجه التقدم والتنمية.
منذ البداية حرص بعض المتنفذين في النظام وبعض مَن في الأسرة الحاكمة على إفشال النظام الديموقراطي وتخريبه، واستخدموا في ذلك المشروع وغير المشروع من وسائل، فمن تجييش للأعضاء ضد النظام الديموقراطي، إلى التزوير الواضح والمفضوح، إلى استخدام التجنيس سياسياً لترجيح كفّتهم، ثم إلى العبث بالجداول الانتخابية، وأخيراً تسميم عقول الناخبين بالعطايا والهبات، وتحويل نائب الأمة إلى موزع «زكاوي» ومخلّص معاملات.
لم يكن لدينا نظام ديموقراطي طوال السنوات السابقة، ولم يكن دستور 1962 مفعّلاً كما يجب، بل كانت معظم مواده الأساسية مجمدة أو مهملة، حتى نظامنا الانتخابي كان مزوّراً ولا يعكس حقيقة توجهات وأماني الناخبين الحقيقيين في الكويت.
إذاً... الخلاصة هي أن الديموقراطية لم تفشل، بل لم تُجرّب أصلاً، فالذي فشل هم أقطاب الأسرة الحاكمة الذين لم يستطيعوا أو لم يتقبلوا التأقلم مع الجو أو مسايرة الرّكْب الديموقراطي.