بعد أكثر من 10 ساعات على سقوطها، وساعات طويلة من عمليات البحث المضنية في أحوال جوية صعبة في منطقة شديدة الوعورة، استطاعت السلطات الإيرانية الوصول إلى مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي (63 عاماً)، التي تحطمت أمس الأول في منطقة ورزقان بمحافظة أذربيجان الشرقية، شمال شرق إيران، لدى عودته من الحدود مع أذربيجان، حيث شارك في افتتاح سد على نهر ارس الحدودي، وبرفقته وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، وإمام مدينة تبريز علي آل هاشم، ومحافظ أذربيجان الشرقية مالك رحمتي، إضافة إلى قائد الحرس الرئاسي، ومسؤولين آخرين.

الراحل ابراهيم رئيسي في خطبة سابقة له

Ad

وبعد يوم حافل تخلله الكثير من الأنباء المتضاربة بين وكالات الإعلام الإيرانية الحكومية، تم الإعلان رسمياً عن وفاة رئيسي ومرافقيه فجر أمس، بعد العثور على جثامين جميع ركاب المروحية، والتعرف عليها ونقلها الى تبريز، حيث ستجرى اليوم مراسم التشييع، على أن ينقل جثمان رئيسي إلى طهران لاحقاً.

ونعى المرشد الأعلى علي خامنئي رئيسي، الذي «لم يعرف معنى للتعب»، وقال «تلقيت ببالغ الحزن والأسى الخبر المرير للرحيل المماثل للشهادة، لرئيس الجمهورية الكفوء والدؤوب، خادم الرضا، سماحة حجة الإسلام والمسلمين، الحاج السيد إبراهيم رئيسي ورفاقه الأجلاء».

وأضاف خامنئي «لقد وقع هذا الحادث المرير في أثناء بذل الجهود لتقديم الخدمة. إن كل مدة مسؤولية هذا الإنسان المضحي والجليل، سواء المدة القصيرة لرئاسة الجمهورية أو ما سبقها، قد قضاها في بذل الجهود المتواصلة لخدمة الناس والبلاد والإسلام».

وتابع: «لقد كان صلاح ورضا الناس الذي يحاكي الرضا الإلهي مقدما على كل شيء بالنسبة إليه، وهذا ما جعل تألمه لنكران الجميل والإهانات من بعض المغرضين لا يشكل عائقا أمام جهوده في الليل والنهار من أجل تحقيق التقدم وإصلاح الأمور». كما أمر خامنئي بإعلان حالة الحداد في البلاد لمدة خمسة أيام في أعقاب وفاة رئيسي، الذي كان يتولى الرئاسة منذ عام 2021.

ونعت الحكومة الإيرانية رئيسي، وقالت في بيان: «ارتقت الروح العظيمة لخادم الشعب الإيراني إلى بارئها، وأصبح خادم (الإمام) الرضا آية الله رئيسي، رئيسا للشعب وحبيبا في السماء».

رئيس مؤقت

وكلف خامنئي النائب الأول لرئيس الجمهورية محمد مخبر بتولي مهام الرئاسة، وقال: «التزاما بالمادة 131 من الدستور، يتولى مخبر رئاسة السلطة التنفيذية»، لافتا إلى أنه يجب عليه، بحسب القوانين النافذة، العمل مع رئيسي السلطتين التشريعية والقضائية لإجراء انتخابات رئاسية جديدة «في مهلة أقصاها 50 يوما».

وعقد مخبر اجتماعا استثنائيا مع رئيس مجلس الشورى (البرلمان) محمد باقر قاليباف، ورئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي. وقال مخبر: «سنسير على درب الرئيس رئيسي في إنجاز المهمة الموكلة دون خلل». وذكر المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور طحان نظيف أن رؤساء السلطات الثلاث سيبدأون الترتيبات لتنظيم انتخابات رئاسية خلال 50 يوما.

وكانت الحكومة أكدت أن إدارة البلاد ستستمر من دون مشكلة، كما شددت على أن وفاة رئيسي لن تسبب «أي اضطراب» في عملها، وعين مجلس الوزراء الإيراني، بعد اجتماع، نائب وزير الخارجية علي باقري كني، كبير المفاوضين النووين، وكيلا لأعمال وزارة الخارجية. وكني معروف بقدراته وخبراته الدبلوماسية الرفيعة. وقال رئيس الأركان الإيراني محمد باقري إن القوات المسلحة مستعدة لتقديم أي دعم للحكومة تحت مسؤولية مخبر.

المسيرة التركية

وكان الهلال الأحمر الإيراني أعلن صباح أمس أن فرق الإنقاذ انتشلت جثة رئيسي وثمانية أشخاص آخرين كانوا في المروحية، وبث التلفزيون الإيراني صورا لعدد من عناصر الهلال الأحمر الإيراني يسيرون وسط ضباب كثيف في مناطق جبلية، ويستخدمون مركبات وسيارات رباعية الدفع تتقدم على طرق ضيقة موحلة قبل الوصول إلى مكان المروحية.

وشارك 73 فريقا في عمليات البحث عن المروحية، وفق وسائل إعلامية إيرانية، مستخدمين الكلاب المدربة والطائرات المسيرة، وأعلنت تركيا إرسال 32 عامل إنقاذ و6 مركبات للمشاركة في البحث، و«مسيرة أقينجي ومروحية مزودة بتقنية الرؤية الليلية من طراز كوغار». وبحسب وسائل الإعلام فقد تمكنت المسيرة التركية اقنجي من رصد موقع التحطم على قمة جبل على ارتفاع 2500 كلم حسب ما اعلن الهلال الاحمر الإيراني.

ونشرت وسائل إعلام تركية قيام المسيرة التركية برسم الهلال والنجمة الموجودين على العلم التركي، عبر مسارها بعد الانتهاء من البحث عن رئيسي، في وقت قال مسؤول في «فيلق القدس» بأذربيجان الشرقية إن المسيرات الإيرانية هي التي عثرت على الحطام. كما أشار خبراء إلى أن المسيرة التركية التي عادت أمس الى البلاد تمكنت من إجراء مسح دقيق لمواقع عسكرية إيرانية. وقال وزير النقل التركي امس ان نظام الإشارة بمروحية الرئيس الإيراني إما لم يكن متوفرا أو كان معطلا

التحقيقات

ولم تقدم السلطات الإيرانية أي إجابة بعد حول أسباب سقوط المروحية، باستثناء الخبر الأولي الذي صدر في وقت مبكر أمس الأول عن وزير الداخلية أحمد وحيدي، وقال فيه إن المروحية، «نفذت هبوطا صعبا بسبب سوء الأحوال الجوية»، فيما ذكر التلفزيون الرسمي ان المروحية الاميركية من طراز بيل 212 الاميركي، «اصطدمت بجبل وتحطمت».

وكانت ثلاث مروحيات من ضمن رحلة العودة من تدشين سد على نهر ارس، بحضور الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف، ووصلت المروحيتان الأخريان سالمتين الى تبريز، حيث كان يفترض أن يستقل الرئيس طائرة ليعود الى طهران. وأثارت عودة المروحيتين سالمتين شكوكاً، خصوصاً أنهما لم تقدما إحداثيات دقيقة حول مكان الحطام، كما قال خبراء إن البروتوكول المتبع لدى السرب المرافق هو تحول مهمته الى بحث وإنقاذ في حال تضرر الطائرة الرئيسية وهو ما لم يحصل.

وتجنب المسؤولون الإيرانيون تقديم أي تفسيرات أو تأويلات أو اتهامات بسبب حساسية الموقف، فيما أشار محللون وخبراء إلى 3 سيناريوهات محتملة وراء السقوط: مؤامرة داخلية، أو مؤامرة خارجية، أو مجرد حادث عرضي بسبب الطقس. وقالت إسرائيل، التي لطالما اتهمتها إيران بإقامة قواعد لجهاز الموساد على الحدود بين أذربيجان وإيران، إنها ليست معنية بالحادث. ونقلت «رويترز» عن مسؤول إسرائيلي قوله: «لم نكن نحن». وقال مسؤول أميركي لـمحطة «ان بي سي» أمس انه «لا يوجد أي تدخل أجنبي على الإطلاق في حادث تحطم طائرة الرئيس الإيراني».

وأعلن مسؤول إيراني أن تحقيقا فتح في أسباب سقوط المروحية. وعرضت روسيا، على لسان أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، المساعدة في التحقيقات. ولم تظهر أي معلومات عما إذا كانت طهران طلبت التعاون مع أذربيجان التي لطالما جمعتها معها علاقة معقدة. وكان الرئيس الأذربيجاني الهام علييف قال أمس الأول إن بلاده مستعدة لأي شكل من أشكال المساعدة في حال طلبت إيران، وذلك قبل العثور على رئيسي.

وكانت العلاقات المتوترة بين باكو وطهران بدأت التحسن أخيرا، وتبادل البلدان الزيارات للوفود العسكرية الرفيعة، قبل أن يتوج التقارب بافتتاح السد المشترك الذي أودى بحياة رئيسي.

ظريف: أميركا مسؤولة

وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف

قال وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، إن الولايات المتحدة الأميركية، هي المتسببة في سقوط مروحية الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، لأنها فرضت عقوبات على قطاع الطيران في إيران ومنعت إدخال قطع تحديث الطائرات.

وذكر ظريف أنه على الرغم من كل هذه الصعوبات، فإن الشعب الإيراني وقف إلى جانب النظام والثورة في الظروف الخاصة التي تمر بها البلاد، مضيفاً أن «الشعب الإيراني بتضامنه ووحدته الوطنية، أظهر أنه شعب يقظ ومتفهم، وسيتحد في المواقف الصعبة من أجل غدٍ أفضل».

الأمير والعبدالله يعزيان... ودول الخليج تتضامن مع طهران

سمو أمير دولة الكويت الشيخ مشعل الأحمد

بعد تضامن دولي وإقليمي واسع مع إيران خلال رحلة البحث المضنية عن مروحية الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي، توالت التعازي من قادة الدول فور إعلان مقتله مع مرافقيه.

وبعث سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد ببرقية تعزية إلى رئيس السلطة التنفيذية بالإنابة في إيران، محمد مخبر، أعرب فيها سموه له ولأسرة رئيسي ولأسر الضحايا وللشعب الإيراني الصديق عن خالص تعازيه وصادق مواساته، سائلا سموه المولى تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته ومغفرته، وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يلهمه وأسرة رئيسي وذوي الضحايا والشعب الإيراني الصديق جميل الصبر وحُسن العزاء بهذا المصاب الأليم.

بدوره، بعث رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد العبدالله ببرقية تعزية مماثلة إلى مخبر، ضمّنها سموه خالص تعازيه وصادق مواساته له ولأسرة رئيسي ولأسر الضحايا وللشعب الإيراني الصديق بوفاة رئيسي، مبتهلا إلى المولى تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته، وأن يسكنهم فسيح جناته، ويلهمه وأسرة رئيسي وذوي الضحايا والشعب الإيراني الصديق جميل الصبر وحسن العزاء.

وبعث العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان ببرقيتي تعزية، فيما أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي الست، على لسان الأمين العام للمجلس، جاسم البديوي، تضامنها مع طهران في الظروف العصيبة عقب مصرع الرئيس الإيراني ومرافقيه.

وأشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برئيسي، معتبرا أنه كان «سياسيا مميّزا وصديقا فعليا» لموسكو، كما أجرى اتصالا بمخبر، فيما قال الرئيس الصيني شي جينبينغ إن وفاة الرئيس الإيراني تشكّل «خسارة كبيرة للشعب الإيراني».

وأعرب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن «تعازيه الصادقة للشعب الإيراني والحكومة والأصدقاء والأشقاء، خصوصا للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية (آية الله) علي خامنئي»، قائلا إنه يقف «بجانب جارتنا إيران»، في حين قدّم حلف شمال الأطلسي (ناتو) «تعازيه للشعب الإيراني»، وكتبت المتحدثة باسم الحلف، فرح دخل الله، على منصة إكس: «تعازينا للشعب الإيراني في وفاة الرئيس رئيسي ووزير الخارجية أمير عبداللهيان وآخرين، الذين لقوا حتفهم في تحطّم مروحية».

في المقابل، نعت رئيسي فصائل ومجموعات مسلحة مدعومة من إيران في الشرق الأوسط. فقد أشادت حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، أمس، بمواقف رئيسي «المشرّفة في دعم قضيتنا الفلسطينية»، فيما اعتبر حزب الله اللبناني أنه كان «حاميا لحركات المقاومة».

وتحدّثت هيئة الحشد الشعبي العراقي عن «فاجعة أليمة»، بينما اعتبر المتمردون اليمنيون الحوثيون أن «فقدان» رئيسي «خسارة ليس لإيران فحسب، بل وللأمة الإسلامية جمعاء ولفلسطين وغزة».

وأعلن لبنان وسورية الحداد لثلاثة أيام على رئيسي، كما أعلن كل من العراق وباكستان الحداد ليوم واحد. وأثار الاعلان في لبنان من قبل حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي جدلا واسعاً، خصوصا بين معارضي حزب الله الذين اعتبروا أن الخطوة غير مبررة من قبل دولة تعيش انقساما سياسيا حول النفوذ الإيراني.