في خطوة تاريخية تعتبر الأولى من نوعها ضد الحليف الأبرز للولايات المتحدة بالمنطقة، طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان من هيئتها القضائية إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت، بالإضافة لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس بالخارج إسماعيل هنية، ورئيسها بغزة يحيى السنوار، وزعيم جناحها العسكري محمد الضيف، بتهم ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، انطلاقاً من هجمات 7 أكتوبر والحرب الدائرة في غزة منذ 228 يوماً.
ولخص خان الاتهامات، التي جمع أدلة معقولة عليها ضد نتنياهو وغالانت، في «التسبب بالإبادة، وفي المجاعة، بمنع إمدادات الإغاثة، واستهداف المدنيين عمداً».
وفي تفاصيل الخبر:
وسط عجز دبلوماسي وسياسي عن وضع حد لنزيف الدم والدمار المتواصل جراء الحرب الإسرائيلية ضد غزة التي اندلعت عقب هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته حركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، كشف المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، أمس، أن المحكمة تسعى إلى إصدار مذكرات اعتقال بحقّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ووزير الأمن يوآف غالانت و3 من قادة «حماس» هم: رئيس مكتبها السياسي بالخارج إسماعيل هنية، ورئيس مكتبها بالقطاع يحيى السنوار، وقائد جناحها العسكري محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وذكر مدعي أكبر محكمة تابعة للأمم المتحدة أنّه يسعى للحصول على مذكرات توقيف ضدّ نتنياهو وغالانت بتهم جرائم تشمل «التسبب في الإبادة، والتسبب بالمجاعة كوسيلة من وسائل الحرب، بما في ذلك منع إمدادات الإغاثة الإنسانية، بالإضافة إلى استهداف المدنيين عمداً في النزاع».
وقال خان إن الأدلة خلصت إلى أن مسؤولين إسرائيليين حرموا بشكل ممنهج فلسطينيين من أساسيات الحياة، مضيفا أن نتنياهو وغالانت متواطئان في الأوامر بشأن غزة والتسبب في المعاناة والتجويع للمدنيين.
وأكد أن القانون يجب أن يسري على الجميع، ولا يمكن السماح بهروب أحد من العقاب حتى لو كان رئيساً في إشارة إلى نتنياهو.
وأشار إلى أن هناك أسباباً معقولة للاعتقاد بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتحمل المسؤولية الجنائية عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
وعلق خان في تصريحات لـ «سي.إن.إن» حول هجوم سابق لنتنياهو ضد القرار المرتقب، بالقول إنه «لا أحد فوق القانون»، مضيفا أنه إذا لم تتفق إسرائيل مع المحكمة الدولية، «فإنهم أحرار، على الرغم من اعتراضاتهم على الاختصاص القضائي، في رفع الطعن أمام قضاة المحكمة، وهذا ما أنصحهم بفعله».
وأوضح المسؤول الدولي أن التهم الموجهة إلى السنوار وهنية والضيف تشمل «الإبادة والقتل واحتجاز رهائن والاغتصاب والاعتداء الجنسي أثناء الاحتجاز».
وأضاف أن «العالم صُدم في السابع من أكتوبر عندما تم انتزاع الناس من غرف نومهم، ومن منازلهم، ومن الكيبوتسات المختلفة في إسرائيل».
غضب وتنديد
وفي حين من المقرر أن تنظر المحكمة الدولية التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقراً لها في طلب إصدار مذكرات الاعتقال بحق قادة الحركة والدولة العبرية، ندد طرفا الحرب بالتحرك القضائي بشدة.
وفي أعقاب إعلان خان، جرت في إسرائيل مشاورات عاجلة لتقييم الوضع ووضع خطوات للتحرك المضاد. ووصف مسؤول سياسي إسرائيل إعلان خان بأنه «قرار ينطوي على نفاق وتحقير بحجم دولي».
وندد عضو كابينيت الحرب، بيني غانتس، بقرار المدعي الدولي، وزعم أن «دولة إسرائيل شنت الحرب الأكثر عدالة بعد المجزرة التي نفذتها منظمة إرهابية بمواطنيها. ودولة إسرائيل تحارب بالشكل الأكثر أخلاقية في التاريخ، ولديها جهاز قضائي مستقل وقوي. ووضع قادة دولة خرجت إلى معركة دفاعية عن مواطنيها في صف واحد مع إرهابيين متعطشين للدماء هو عمى أخلاقي واستهداف لواجبها ولقدرتها للدفاع عن مواطنيها. والموافقة على موقف المدعي، ستكون جريمة تاريخية لن تُمحى».
كما وصف وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش السعي لاعتقال نتنياهو وغالانت بأنه «استعراض للنفاق وكراهية اليهود» يذكر بالدعاية النازية، معتبرا أن «مذكرات اعتقال بحقهما هي مذكرات اعتقال بحقنا جميعا». ودعا سموتريتش الدول الصديقة لإسرائيل إلى التحرك لحل المحكمة الجنائية الدولية.
ووصف رئيس المعارضة، يائير لبيد، خلال اجتماع كتلة حزب «ييش عتيد» في الكنيست، قرار خان بأنه «كارثة سياسية وأخلاقية»، معتبراً أنه «لا يعقل أن يتم إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو والسنوار وهنية ومحمد الضيف بعد أن ذبحونا وأولادنا في 7 أكتوبر. وهذا لا يغتفر. ونحن نخوض حربا عادلة، وليكن واضحا أننا لن نمر على هذا بهدوء. وينبغي القول إن هذا فشل سياسي رهيب، فقد قمنا بشن الحرب فيما العالم كله يدعمنا. وندعو الأميركيين من هنا، وأتوقع من الإدارة أن تدعمنا وأن يجتمع الكونغرس ويستنكر مذكرات الاعتقال».
وقال رئيس حزب «يسرائيل بيتينو»، أفيغدور ليبرمان: «أعتقد مسبقاً أن المحكمة معادية. الجميع ضدنا. وعلينا أن نواجه هذا الوضع، لكن ينبغي تذكير الزملاء في الائتلاف أن مواجهة هذا الأمر بدون الأميركيين يكاد يكون مستحيلاً. ينبغي التنسيق معهم».
على الجهة المقابلة، قال القيادي بـ«حماس» سامي أبوزهري، إن طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق 3 من قادة الحركة الفلسطينية «مساواة بين الضحية والجلاد»، معتبرا أن التحرك القضائي بأنه يشجع إسرائيل على الاستمرار في «حرب الإبادة».
ورغم أن إسرائيل والولايات المتحدة ليستا أعضاء في المحكمة الدولية، تؤكد الأخيرة أنها تتمتع بالولاية القضائية على غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية بعد أن وافق القادة الفلسطينيون رسمياً على الالتزام بالمبادئ التأسيسية للمحكمة، في عام 2015.
ضغوط وانسداد
وبينما نقلت أوسط عبرية عن مصدر أمني رفيع قوله، إن نتنياهو يشعر بتوتر كبير وضغط هائل إزاء إصدار المذكرة الدولية المحتمل، وضع التحرك القضائي المزمع قطر في دائرة الضغوط الدولية لجهة استضافتها هنية والمكتب السياسي لـ«حماس» في الخارج.
وتزامن ذلك مع إعلان وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية، محمد الخليفي، أمس، أنه «لا توجد إرادة سياسية» للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، في ظل استمرار العمليات العسكرية على الأرض.
خلافات ومطالبة
وفي وقت يصطدم تعويل الدولة العبرية على تحرك عقابي من قبل واشنطن لردع المحكمة الأممية عن اتخاذ الخطوة غير المسبوقة بالخلافات بين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن مسار حرب غزة المتواصلة منذ 228 يوما، طالب مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان نتنياهو بـ«ضرورة ربط عمليات إسرائيل العسكرية باستراتيجية سياسية تضمن هزيمة دائمة لحماس» خلال اجتماع عقد في تل أبيب.
ولاحقاً، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت لسوليفان أن «واجب الدولة العبرية هو توسيع هجومها البري في مدينة رفح المكتظة بمئات الآلاف من النازحين والمتاخمة للحدود المصرية«، مشددا على أن توسيع العملية البرية في رفح يهدف إلى تفكيك «حماس» وإعادة الرهائن.
وأتى ذلك بعد ساعات من تأكيد الرئيس الأميركي خلال حفل تخرج بكلية «مورهاوس» في أتلانتا، أن هناك «أزمة إنسانية في غزة، ولهذا السبب دعوت إلى وقف فوري لإطلاق النار. وقف فوري لإطلاق النار، أوقفوا القتال!».
ميدانياً، واصل الجيش الإسرائيلي قصفه العنيف على مخيمي جباليا شمالي القطاع والنصيرات وسطه، وواصل تقدمه بأحياء شرق رفح وسط مقاومة شرسة من عناصر «حماس» و«الجهاد».