أثار برنامج الحكومة الهولندية المستقبلية، وهو ائتلاف من 4 أحزاب بقيادة حزب الشعب من أجل الحرية بزعامة اليميني المتطرف خيرت فيلدرز، جدلاً واسعاً بمجرد الكشف عنه، خصوصاً أنه يتضمن في صفحاته الأولى دعوة لمراجعة معاهدة الاتحاد الأوروبي وتشديد قواعد الهجرة، وفق ما ذكرت صحيفة «لوموند» الفرنسية.
ويسعى فيلدرز، الذي نجح بعد مفاوضات استغرقت 176 يوما في إبرام اتفاق لتشكيل ائتلاف حكومي من أربعة أحزاب، والذي أدين في عام 2021، دون عقوبة، بتهمة «إهانة فئة اجتماعية»، في إشارة إلى المسلمين، إلى فرض «سياسة لجوء أكثر صرامة» في تاريخ هولندا.
حالة طوارئ
ويتحدث برنامج الائتلاف الحكومي عن «حالة الطوارئ» التي ستشهدها هولندا لتبرير القرارات التي ستواجهها مباشرة مع المفوضية ودول جنوب الاتحاد الأوروبي التي تستضيف أكبر عدد من طالبي اللجوء. وتعتزم الحكومة الهولندية الجديدة أن تطلب من بروكسل في غضون أربعة إلى خمسة أسابيع بند استثناء يسمح لها بإعفاء نفسها من قواعد ميثاق الهجرة واللجوء، الذي اعتمده البرلمان الأوروبي بشكل نهائي في أبريل الماضي. ولتحقيق هذا الطلب لابد من مراجعة معاهدة الاتحاد الأوروبي، ومن ثمة التصديق عليها من جميع الدول الأعضاء.
كما تعهد الائتلاف اليميني بإلغاء قانون التوزيع الإجباري لطالبي اللجوء في جميع البلديات في هولندا، وهو البند الذي طبقته الحكومة المستقيلة بعد موافقة مجلسي البرلمان، ويهدف إلى تخفيف الازدحام في مراكز الاستقبال، بالإضافة إلى تعليق فحص طلبات اللجوء لمدة عامين، ما قد يضعه في صراع مباشر مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي، لاسيما أن القانون الأوروبي ينص على ضمان الوصول إلى طلب الحماية الدولية.
الإسكان الاجتماعي تحت الضغط
ويسعى فيلدرز بقوة للحد من الهجرة، حتى لو تتطلب ذلك «إذا لزم الأمر»، وفق برنامج الائتلاف الحكومي، تعديل الأحكام القانونية الأوروبية أو اتفاقية الأمم المتحدة بشأن وضع اللاجئين، حيث سيتم فرض رقابة أكثر صرامة على وصول الأشخاص من خارج أوروبا كجزء من هجرة العمالة، في حين يجب أن تكون حرية حركة العمال الأوروبيين «محدودة».
كما ستتم زيادة عدد الطلاب الأجانب، مع زيادة حادة في رسوم التسجيل لغير الأوروبيين، وخفض عدد المنح الدراسية وتحديد الحصص في الجامعات، فضلا عن إعطاء المزيد من الدورات باللغة الهولندية.
وتعتزم الحكومة الجديدة أيضا «تشديد» قواعد لم شمل الأسرة، وإلغاء امتياز الوصول إلى السكن لطالبي اللجوء المعترف بهم. وقد استغل اليمين المتطرف هذا الموضوع خلال حملته الانتخابية، حيث عزا نقص السكن الاجتماعي إلى الوجود الكثيف للاجئين. وسيتم إلغاء حق الإقامة دون تحديد زمني و«تكييف» قواعد الإقامة المؤقتة، والتهديد بعقوبات جنائية والحرمان من حق الإقامة في حال رفض الامتثال للطرد.
فرض سياسات اليمين
وفيما يعتبر قضاة هولنديون وأوروبيون أن العديد من تدابير الحكومة الجديدة مستحيلة التنفيذ، رأت صحيفة «لوموند» في افتتاحيتها أن الائتلاف الحكومي يعكس نجاح زعيم اليمين المتطرف فيلدرز في فرض أفكاره على يمين الوسط واليمين اللذين وافقا، في مقابل التزامات غامضة إلى حد ما بشأن سيادة القانون، على تأييد مشروع صارم بشأن الهجرة.
وبالكاد لم يجف حبر ميثاق الهجرة الذي اعتمده الاتحاد الأوروبي مؤخرا بعد مفاوضات طويلة، نجح فيلدرز في إفراغه من معناه، حيث شكل ائتلافا حكوميا منحه ضوءا أخضرا لتشديد سياسة الهجرة مقابل تنازل تكتيكي يتمثل في عدم شغله مقعد رئيس الوزراء.
وبينما أكد خبراء صعوبة تطبيق برنامج الائتلاف الحكومي حول الهجرة، الذي يتعارض مع المعاهدات الدولية التي وقعت عليها هولندا، أقر فيلدرز بأن الحصول على استثناء من المعايير الأوروبية قد يستغرق «سنوات».
على المستوى الأوروبي، سيزيد هذا الائتلاف الحكومي الهولندي من الضغوط على رئيسة المفوضية الأوروبية المنتهية ولايتها، أورسولا فون دير لاين، التي تواجه منافسة قوية من أحزاب اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية المقررة في يونيو المقبل، تتقدمها رئيسة وزراء إيطاليا جيورجيا ميلوني.