«الجريدة.» تكشف التحقيقات الأولية في سقوط طائرة رئيسي
المروحية واجهت عطلاً «عجيباً» أدى إلى اصطدامها بالجبال
• اتصالاتها انقطعت فجأة مع نظامي التتبع والكشف الآليين
• تساؤلات عن عدم تشغيل «جهاز الطوارئ العالمي» و«تتبع الطائرة»
• خضعت لفحص دقيق ذهاباً وإياباً والمحركان كانا بحالة ممتازة
في وقت لا تزال إيران تحت الصدمة بعد زلزال مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، بسقوط مروحية كانت تقلهما من الحدود مع أذربيجان إلى مدينة تبريز، عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية (شمال شرق)، كشف مصدر يشارك في التحقيقات حول سبب تحطم المروحية أن الخبراء يركزون في التحقيق على احتمال تعرض المروحية لعملية تخريب متعمد.
ومع انطلاق تشييع رئيسي ومرافقيه من تبريز أمس، في رحلة وداعية تشمل عدة مدن إيرانية، ومن بينها العاصمة طهران التي تشهد مراسم تشييع رسمية بحضور دولي وإقليمي سيشارك فيه ممثل سمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، وزير الخارجية عبدالله اليحيا، لا يزال المسؤولون الإيرانيون يعتمدون الحذر الشديد في الحديث عن أسباب سقوط المروحية، وسط أحوال جوية صعبة، في وقت تعيش البلاد ما وصفه مراقبون بأنه أصعب 50 يوماً في تاريخها، حيث يسعى نظام الجمهورية الإٍسلامية الشديد التعقيد والقائم على توازنات دقيقة بين مراكز قوى متنافسة، إلى تعبئة الفراغ الذي أحدثه غياب رئيسي، في منصب رئاسة الجمهورية، والأهم في خريطة التنافس على خلافة المرشد الأعلى علي خامنئي الذي كان رئيسي أحد المرشحين الأساسيين فيها، إلى جانب مجتبى خامنئي، نجل المرشد.
وقال المصدر، لـ «الجريدة»، إن فرق التحقيق لا تزال تجمع الأدلة للتوصل إلى سبب سقوط المروحية الرئاسية الأميركية الصنع من طراز بيل 412، لكن بحسب المؤشرات الأولية التي جمعها المحققون، فإن المروحية لم تكن تواجه أي مشكلة قبل طيرانها.
وأكد المصدر أنه رغم قدم المروحية لكن معظم قطعها كانت جديدة، حيث كانت تعمد إيران إلى شراء قطع الغيار عبر وسطاء، مضيفاً أنه بحسب البروتوكولات المتبعة، تم الكشف على المروحية بشكل دقيق، قبل طيرانها من تبريز إلى الحدود مع أذربيجان وقبل عودتها من الحدود إلى تبريز، وأن التقارير الفنية أظهرت سلامة الفحص مئة في المئة، وأنه حتى لو كانت هناك أدنى مشكلة، فإن الطيار كان سيتخذ قراراً بعدم الطيران، ولن يقوم بأي مخاطرة خصوصاً في أحوال جوية صعبة.
وبحسب المصدر، وقبل الطيران من الحدود إلى تبريز، كان هناك تحذير من الأرصاد الجوية بأن الأجواء ستكون غائمة والرؤية ليست جيدة ومن الأفضل أن يتم تأجيل الرحلة، لكن الرئيس الإيراني أصرّ على ضرورة العودة إلى تبريز حيث كان مقرراً أن يفتتح مشروعاً للطاقة قبل أن يعود إلى طهران على متن الطائرة الرئاسية التي كانت تنتظر في مطار تبريز.
وأكد أن قائد المروحية أبلغ قيادته برغبة الرئيس، وقد منحته الإذن بالطيران إلى تبريز، مضيفاً أنه خلال رحلة العودة أجرى الطيار اتصالاً بالمحطة الأرضية، كان الأخير له، أبلغ فيه أنه غير قادر على إكمال طريقه بسبب تعذر الرؤية، ويجب أن ينفذ هبوطاً اضطرارياً صعباً وطلب النجدة الأرضية الفورية.
وكشف المصدر أنه وسط هذا الاتصال انقطعت فجأة كل الاتصالات الإلكترونية للطائرة ونظاما التتبع الآلي والكشف الآلي، ولم يستطع الطيار حتى أن يكمل كلامه، مضيفاً أن ظروف سقوط المروحية تظهر أنها واجهت «عطلاً فنياً عجيباً»، أدى إلى توقف عملها في الجو، وهو ما أدى بدوره إلى سقوطها واصطدامها بسفح أحد الجبال.
وشدد على أن الطيارين كانا مدربين على الهبوط بالطائرة اضطرارياً حتى لو توقف أحد محركيها عن العمل، ويقوم المحققون حالياً بالتحقق مما إذا كان المحركان سليمين وقت سقوط المروحية لأنه قبل الإقلاع كانا بحالة ممتازة حسب الفحص الفني.
وقال المصدر إن الرسالة الأخيرة لقائد المروحية وحالتها الفنية الممتازة قبل الإقلاع تثيران تساؤلات عديدة لدى الخبراء التقنيين، الذين فتحوا تحقيقاً حول احتمال وجود عملية تخريب متعمد للمروحية أو إذا ما تم زرع قطعة ملغومة، قد تسببت بهذا العطل المفاجئ والعجيب.
وأشار إلى أنه من بين النقاط المثيرة للشكوك كذلك، أن المرافق الأمني للرئيس كان يحمل معه جهاز تتبع عالمياً مخصصاً للطوارئ وكانت لديه تعليمات بتشغيله على الفور بمجرد مواجهة مشكلة لكنه لم يقم بتشغيله، كما أن جهاز التتبع الجغرافي للمروحية كان مطفئاً حين سقوط الطائرة. وكانت إيران قد طلبت من الاتحاد الأوروبي تشغيل نظام التتبع العالمي للخرائط لكن هذا النظام لم يتمكن من التقاط إشارة الأجهزة في المروحية.
وأكد المصدر أن الحقيقة الوحيدة المؤكدة حتى الآن هي أن جميع الأجهزة الإلكترونية للطائرة توقفت فجأة، ويبدو أن الطيار فقد السيطرة على الأجهزة الميكانيكية في الطائرة ولم يستطع الهبوط بالمروحية في مكان مناسب، وأن الأجهزة توقفت عن العمل بالضبط في مكان يستحيل فيه الهبوط، وهذا أمر غير مألوف ولا يحصل بشكل معتاد، إلا إذا كانت المروحية تعرضت لانفجار قطعة أساسية في داخلها أو ربما أصيبت بصاعقة قوية.
وفي تفاصيل الخبر:
انطلقت أمس مراسم تشييع جثمان الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، ومرافقيهما في مدينة تبريز عاصمة محافظة أذربيجان الشرقية، بحضور شعبي مهيب، بحسب ما أوردته وكالة «تسنيم» الدولية للأنباء.
ونقلت جثامين ضحايا حادث المروحية الرئاسية التي تحطمت فوق محافظة أذربيجان الشرقية عندما كان رئيسي عائدا من افتتاح شد مشترك على الحدود مع أذربيجان، وبعد ذلك الى مدينة قم، ثم نقلت بعد ذلك الى طهران.
وستنطلق صباح اليوم مراسم التشييع من جامعة طهران إلى ساحة آزادي (الحرية) بالعاصمة طهران، حيث ستقام عصرا مراسم بحضور ضيوف ووفود أجنبية في طهران، بحسب وكالة «تسنيم». وسيمثل وزير الخارجية عبدالله اليحيا سمو أمير البلاد الشيخ مشعل الاحمد في المراسم. كما ستقام صباح غد مراسم التشييع في خراسان الجنوبية وتقام مساء مراسم دفن جثمان رئيسي في حرم الإمام الرضا في مشهد. وتجمع المواطنون في ساحة شهداء تبريز لتوديع الرئيس الايراني ووزير الخارجية، بالاضافة إلى محافظ أذربيجان الشرقية، مالك رحمتي، وإمام جمعة تبريز، آية الله آل هاشم، وغيرهم من المسؤولين.
وفي مراسم تشييع شهداء الخدمة بحضور عدد كبير من المواطنين والشخصيات المدنية والعسكرية، تحدث محمد جواد علي أكبري رئيس مجلس أئمة الجمعة في البلاد، وأحمد وحيدي وزير الداخلية.
ولا يزال المسؤولون الإيرانيون يتريثون بتقديم أي تفسيرات بخصوص سقوط المروحية القديمة اميركية الصنع من طراز بيل 412.
واكتفت السلطات بالإشارة الى أن سوء الأحوال الجوية قد يكون السبب الأكثر ترجيحاً رغم انه لا يوجد اجابات كافية تبرر سقوط الطائرة التي يعتقد انها خضعت لصيانة وفحص قبل الاقلاع.
واستبعدت واشنطن وجود أي تدخل خارجي في الحادث كما نفت مصادر اسرائيلية تورط تل ابيب في الهجوم.
وقال موقع إنتلي تايمز الاستخباراتي العبري، إنّ تحطم مروحية الرئيس الإيراني يعود إلى عطل تقني كبير حدث أثناء تجهيز المروحية لاستخدامها في مهام الحكومة الإيرانية.
وذكر الموقع في سلسلة تغريدات عبر حسابه الرسمي على منصة «إكس»، أنّ إيران قامت بتكييف مروحية حكومية للرئيس رئيسي على أساس طراز «بيل» 412EP العسكري المزودة بـ4 دوارات بما يتناسب مع حجم وعدد الركاب في هذه النسخة، ويوم الحادث شوهدت المروحية بِدَوّارَتَين فقط على غرار طراز «بيل» 212، ما يشير إلى تعديل تم إجراؤه على المروحية بسبب نقص أو ترقية غير مناسبة لا تتوافق مع النسخة الأصلية.
أخطر 50 يوماً
وكلف النائب الأول للرئيس محمد مخبر بتولي مهام الرئاسة حسب الدستور، وقرر مخبر ورئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي ورئيس مجلس الشورى (البرلمان) محمد باقر قاليباف تحديد يوم 28 يونيو المقبل موعداً للانتخابات الرئاسية لانتخاب رئيس جديد للبلاد التزاما بالمادة 131 من الدستور التي نص على اجراء الاقتراع خلال 50 يوماً. وظاهرياً يبدو أن الأمور تجري بسلاسة لكن رغم ذلك، تحدث مراقبون عن «أخطر 50 يوما في تاريخ ايران»، ويتعين على الأصوليين الذين يحكمون البلاد الاتفاق على مرشح، وهذا الأمر يواجه منذ الآن متاعب، حيث أبدى الرئيس الأصولي السابق محمود أحمدي نجاد رغبته في الترشح حسب مقربين منه.
وكانت الانتخابات النيابية الأخيرة شهدت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ ايران، حيث شارك 8 في المئة من ناخبي طهران في الدورة الثانية من الاقتراع، ورفض الإصلاحيون بقيادة الرئيس السابق أحمد خاتمي المشاركة في الانتخابات، بسبب اقصاء مرشحيهم بالاضافة الى اقصاء مرشحي التيار الوسطي. ووصل الأمر بمجلس صيانة الدستور الذي يعتبر ممرا اجباريا للمرشحين الى اقصاء رئيس الجمهورية السابق الوسطي حسن روحاني من الترشح لعضوية المجلس بذريعة عدم الأهلية، وأثار روحاني بلبلة الاسبوع الماضي برفضه علنا ذرائع المجلس. والسؤال الذي يطرحه الجميع اذا كان المرشد الاعلى علي خامنئي سيقرر فتح اللعبة السياسية والسماح للوسطيين الإصلاحيين بالترشح ام سيتجه الى مزيد من التشدد. وفي حال اتخذ القرار الثاني وهو الأرجح، فسيكون الاصوليون امام تحديات كبيرة لإيجاد مرشح قادر على هزيمة نجاد، وإقناع الناخبين للتوجه الى الصناديق. وقالت «الايكونومسيت» إن رئيسي من نواحٍ عديدة مجرد شخصية صورية، فهو تابع للمرشد الأعلى غير أن موته مع ذلك سيهز السياسة الإيرانية. فسيجبر النظام على العثور على رئيس جديد في وقت قصير صعب، فالبلد منخرط في حرب إقليمية وصلت حتى انخراط إيران في العمل العسكري المباشر إلى جانب شبكة من وكلائها الإقليميين. كما أن خصوم إيران، بما فيهم أميركا وإسرائيل والمملكة العربية السعودية، يفكرون في تعميق علاقاتهم الأمنية لمواجهتها. والاقتصاد يغرق وقد يتضرر أكثر بتشديد العقوبات الأميركية. كما أن وفاة رئيسي يمكن أن تلقي بإيران أيضا في حالة من الفوضى بسبب صراع يلوح في الأفق، بعد موت واحد من اثنين من المرشحين الرئيسين لمنصب خامنئي، وتحدث عن «أيام عصيبة في انتظار النظام». وفي مسألة أخرى، خلق غياب رئيسي فراغا في معركة خلافة خامنئي، وكان رئيسي الى جانب نجل المرشد مجتبى خامنئي المرشحين الأبرزين للمنصب. وتقول «الايكونومسيت»: «مع ذلك، لم يحظ أي من هذين المرشحين الأوفر حظا بالصدارة بشكل واضح: فالسيد رئيسي لم يكن يحظى بشعبية، أما مجتبى فإنه يمثل انتقالا وراثيا للسلطة، في نظام وصل إلى السلطة بعد الإطاحة بنظام ملكي وراثي. ومع وفاة رئيسي، يبدو أن مجتبى بات لديه طريق واضح لتولي المنصب الأعلى. وسيعتمد على الحرس الثوري الإيراني لتجاوز أي رد فعل عنيف، وهذا بدوره قد يعزز دور الحرس الثوري داخل النظام. وقد تتطور إيران من كونها نظاما عسكريا دينيا هجينا، إلى نظام عسكري أكثر. وقد يعني ذلك تراجع النزعة الدينية المحافظة في الداخل، في حين قد يعني مزيدا من العداء نحو الخارج».
أجمع الكثير من الخبراء على انه لا تغيير في السياسة الخارجية لايران غير ان التصريحات الصادرة عن روسيا أثارت تساؤلات اذا كان ذلك صحيحاً. وقال وزير الخارجية الروسي المخضرم سيرغي لارفوف امس: «لا أرى أسبابا للتكهن بتغييرات في سياسة إيران الخارجية»، وقبل ذلك نقلت وكالات انباء عن مصدر روسي توقعات موسكو بان تواصل ايران الالتزام بالاتفاقات الموقعة مع روسيا. وادارة رئيسي ارسلت الى روسيا آلاف المسيّرات لاستخدامها في حرب أوكرانيا وسط انقسام دولي واسع في محظور سياسي يخالف مبدأ مؤسس الثورة الإسلامية روح الله خميني «لا شرق ولا غرب».
ونقلت وكالة شينخوا الصينية عن محللين قولهم، إنه إذا أخذنا في الاعتبار منظومة الحكم في إيران، فإن الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الإيرانية فيما يتعلق بكل الملفات الإقليمية بما فيها ملف غزة ودول الخليج ستستمر بنفس النمط. وقال عزت سعد مدير المجلس المصري للشؤون الخارجية للوكالة الصينية الرسمية، إن التقارب السعودي ـ الإيراني لن يتأثر بالحادث، لأن هذا التقارب فرضته اعتبارات دولية وإقليمية مازالت قائمة.