من يأخذ بـ«درب البخور» ويعيد إحياءه؟
استحضرتُ المشروع العملاق للصين والمعروف بطريق الحرير وأنا أستمع بشغف إلى محاضرة الأديبة هدى الشوا في المركز الفرنسي للأبحاث عن «درب البخور» التاريخي الذي انطلق من شبه الجزيرة العربية.
كان السؤال، هل هناك من يعيد إحياء هذا «الدرب» في منطقتنا الخليجية أم سيبقى مجرد تخيل كما فعلت السيدة الشوا عندما تركت الجمهور المشارك بالندوة يسرح بخياله مع العطر الجديد (العلا) والموضوع في زجاجة أنيقة، يحاكي لغة الاقتصاد في حاضر الأيام لكن بروح استشراقية لتقول لنا: إن درب البخور ما زال مصدراً للتجارة، ولديه القابلية لإحيائه كما فعلت الصين، وكما كان من آلاف السنين، فالعطور سوق مربحة جداً تدر ملايين الدولارات؟
كانت استعارة جميلة قدمتها الكاتبة هدى الشوا من مسرح شكسبير وعلى لسان «ماكبث» الذي أدرك قيمة العطور العربية، حين ترد عبارة ذات معنى على لسان «الليدي ماكبث» التي دفعها طموحها للوثوب على السلطة، وتأليب زوجها على كل من يقف في طريقها بالقول: «رائحة الدم على يدي لم تزل، وكل عطور الجزيرة العربية لن تستطع تطييب هذه اليد». هذا يعني أن شكسبير كان يعطي للبخور والأطياب العربية وزنها وقيمتها.
شرحت لنا الباحثة قصة رحلتها التي قامت بها مع ابنتها ليلى قدومي، ضمن مجموعة مكونة من خمسة عشر شخصاً، أصدقاء دار الآثار الإسلامية لمدة خمسة أيام لاستكشاف المعالم التاريخية لمنطقة نجران والتعرف على تاريخ وطبيعة الجزء الجنوبي من شبه الجزيرة العربية، وبما فيه موقع الأخدود الأثري، ومنطقة الفاو ووداي الدواسر وغيرها من المواقع الأثرية.
أشارت إلى المعبد الذي اكتشفته البعثة الفرنسية – اليمنية عام 2004 والمتواري تحت الرمال في مدينة السوداء بمحافظة الجوف باليمن، وإلى تلك النقوش لشخصيات نسائية تزين واجهات الأعمدة المربعة، وتدل على حضور أنثوي قوي، سواء كنا حاكمات أو ملكات أو كاهنات أو حرائر يقدمن القرابين إلى المعابد.
المهم في الندوة التي أدارها وأشرف عليها الدكتور مكرم عباس أنها طرحت موضوعاً حيوياً في خضم المشروعات الكبرى التي تتنافس عليها بلدان إقليمية وقوى عالمية، خصوصا تلك المتعلقة بالممرات والطرق البرية والبحرية.
ما أحوجنا إلى تسليط الضوء على «درب البخور» في إطار زحمة المبادرات والمشاريع ذات البعد التاريخي والاقتصادي الذي يثبت الهوية الحضارية للمنطقة ويجعل منها مركزاً للصراعات الجيوسياسية والعسكرية والاقتصادية.
للتذكير، فقد انطلق درب البخور البري من أقصى الجنوب من مراكز جني اللبان، حيث الأشجار المقدسة والمنتشرة في مرتفعات اليمن وعمان، محملة على قوافل الجمال، عبر طريق يشمل 65 محطة مروراً بشبوة ومأرب، وقرناو، ونجران، ودادان (العلا)، وتيماء، والبتراء حتى غزة التي كانت آخر محطة، ومنها كانت تصدر إلى اليونان والرومان، وأسواق العالم.