القطاع العام... خطوات نحو «الترشيق»

نشر في 22-05-2024
آخر تحديث 21-05-2024 | 18:35
 د. فاطمة خالد المحسن

درج مؤخرا تداول مصطلح «الترشيق» عند الحديث عن إعادة هيكلة القطاع العام في الدولة، وقد اشتق هذا المصطلح من كلمة (رشاقة) للتدليل على تقليص الحجم، فكلمة الترشيق- وعند استخدامها لوصف الفلسفة التي يقوم عليها بناء الجهاز الإداري للدولة- يقصد بها تقليل حجم الأجهزة الحكومية.

وقد أثبتت الدراسات العلمية وجود علاقة عكسية بين حجم القطاع العام وفاعلية أدائه، فكلما تم الحد من توسع أجهزة الدولة زادت فاعلية أدائها، فالترشيق- باعتباره أحد السياسات البينية التي يتقاطع فيها علم القانون مع علم الإدارة العامة- يحقق غايات مهمة تتمثل بخفض تكاليف إدارة المرافق العامة، والتقليل من استنزاف الموارد العامة.

تجدر الإشارة إلى أن الترشيق في الغرب الرأسمالي يطبق في مجال الأعمال التجارية بسبب سيطرة القطاع الخاص، فقد تم تطوير العديد من النظريات في هذا المجال، والتي أطلقت عليها مسميات عدة اشتقت معظمها من كلمة (LEAN)، والتي يقصد بها النحافة، فنجد الجمعية الأميركية لضبط الجودة American Society for Quality (ASQ) تتبنى منهجية Lean Six Segma، وهي منهجية علمية تستخدم لضبط جودة المشاريع من خلال تزويد المنشأة التجارية بعدد من الأدوات لتطوير قدرتها على استبعاد وإلغاء العمليات الإضافية التي لا قيمة حقيقية لوجودها، وفي الحقيقة لا أجد ما يمنع من إمكانية تطبيق هذه المنهجية في دولنا العربية لتطوير أداء القطاع العام باعتباره المسيطر لدينا.

قد يتحقق ترشيق الجهاز الحكومي من خلال اتباع عدة أساليب، فلكل أسلوب عيوبه ومميزاته بالقدر الذي يجب أن تشكل له اللجان المتخصصة لدراسة الأساليب المتاحة والمفاضلة بينها، وفي الحقيقة أجد أن تطبيق سياسة الترشيق قد يسفر عنه ثلاثة تحديات رئيسة:

يتمثل التحدي الأول في كيفية التعامل مع الموظفين في الجهة الحكومية التي يتم ترشيقها بعيدا عن خيار التسريح الفوري، أما التحدي الثاني فيتمحور حول كيفية إعادة توزيع الاختصاصات بين الجهات الحكومية عندما يتم إلغاؤها أو دمجها، وذلك لمنع ظهور مشكلة تنازع الاختصاصات السلبي، وأما التحدي الثالث فيتجسد في ضرورة مقاومة إغراء إنشاء أجهزة جديدة بديلة للحلول محل الأجهزة الملغاة، تجنبا للوقوع في دوامة الحلقة المفرغة للبيروقراطية.

وبالعودة إلى الكويت- وفي ظل وجود عشرات المناصب القيادية الشاغرة في الوقت الراهن- قد تكون الطريقة المثلى للبدء بترشيق الجهاز الإداري للدولة إعادة هيكلة القطاعات داخل الجهة الحكومية الواحدة، ويكون ذلك إما من خلال إلغاء قطاعات معينة، أو دمج القطاعات التي تتشابه في طبيعة عملها، أو تحويل القطاع إلى إدارة أو قسم تحت مظلة قطاع آخر. حيث يستهدف هذا النوع من الترشيق بالدرجة الأولى تقليص عدد المناصب القيادية والمناصب الإشرافية العليا داخل الجهة الحكومية، وهنا، من الممكن اقتراح عدد من الحلول بشأن كيفية التعامل مع شاغلي هذه المناصب أذكر منها طريقة (شغل المناصب بصفة شخصية) أو (منح سنوات الخدمة الاعتبارية)، كما أن تبني هذا الأسلوب من الترشيق تحديدا يتطلب التنبه إلى طبيعة الجهاز الإداري- محل إعادة الهيكلة- فيما إذا كان وزارة أم هيئة عامة، فكون أن الوزارة تدار مباشرة من الوزير (وهو ما يطلق عليه الإدارة المركزية) فإن أمر ترشيقها يعد سهلا مقارنة بترشيق الهيئات والمؤسسات العامة التي تدار من خلال مجالس إدارتها (وهو ما يطلق عليه الإدارة اللامركزية)، فقد يعترض ترشيق الهيئات العامة بعض العوائق التشريعية التي يجب التصدي لها كالحاجة إلى تعديل قوانين إنشائها إن لزم الأمر.

وفي الختام، يجب عدم إغفال أهمية دور القطاع الخاص في عملية ترشيق المرافق العامة، ذلك أنه من الضروري تفعيل دوره في تشغيل هذه المرافق وهو ما تنادي به قوانين الشراكة بين القطاع العام والخاص التي تأخذ بها العديد من الدول العربية ومنها الكويت، فقد تكون مساهمة القطاع الخاص في ترشيق الجهاز الإداري للدولة موضوع مقالنا القادم إن شاء الله.

* أستاذة القانون العام في جامعة الكويت

back to top