اقترن اسم الباحث خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد بقاموس موسع في اللهجة الكويتية، خرج في عدة مجلدات في طباعة ملونة متقنة، وقد أصدر الباحث مؤخراً الكتاب نفسه بعد المراجعة، في مجلد واحد، تحت عنوان «الوافي في نشأة اللهجة الكويتية وأسرارها»، وحبذا لو اكتفى الباحث بعنوان «الوافي» في اللهجة الكويتية وأسرارها «لأن كتاب الباحث الرشيد قاموس لغوي ومعجم للمفردات، لا كتاب في تاريخ تطور اللهجة ودراسة خصائصها أو بحث أسرارها، غير أن مقدمة كتاب «الوافي» عبارة عن دراسة شاملة في تكوين وتاريخ اللهجة، تقع في 25 صفحة، أما بقية الكتاب فإعادة ترتيب وتنسيق للموسوعة الميسرة في طبعة أنيقة تقع في 915 صفحة مزدانة بالصور الملونة والشروح اللازمة.
إن كتاب الرشيد معجم أو قاموس في اللهجة الكويتية، وليس هذا بالأمر البسيط أو الإنجاز السهل، وليس «موسوعة كويتية» تغطي كل مناحي الحياة المعاصرة والتاريخ والشخصيات والأحداث وغير ذلك، مما يحتاج إعدادها إلى جهود بحثية ومساهمات أكاديمية ومشاركة واسعة شأن كل الموسوعات، وبخاصة ونحن في عصر التخصص، كما أن أي موسوعة تصدر تحت عنوان «الموسوعة الكويتية» ستكون مصدراً أساسياً لكل باحث أو دارس ولكل إعلامي يلجأ إليها داخل الكويت وخارجها للحصول على معلومات دقيقة حول أي شأن، فإعدادها مسؤولية ثقافية لا بد أن تكون جماعية ودقيقة، غير أن الفضل يبقى للباحث «الرشيد» في أنه بجهوده الفردية هذه أحيا الاهتمام بالثقافة الكويتية ومفرداتها، وأكمل مسيرة من سبقه من الباحثين، فله جزيل الشكر على هذا العطاء، آملين أن تُبذل الجهود من أجل إصدار «الموسوعة الكويتية» المرتقبة.
كما أن كتاب «الوافي» تتويج لجهود المؤلف وأساتذة أفاضل ساهموا في التدقيق والمراجعة والاستشارة ممن يستحقون بدورهم الشكر والتقدير.
ولا شك أن الجميع يقر بما بذله الرشيد من جهد في البحث وفي إعادة النظر في الطبعات السابقة ومحاولة تخليص العمل من النواقص وتجويد مستوى البحث، فإصدار القواميس ووضعها مهمة ثقافية شاقة، كما أن بعض موادها ستظل دائماً مثيرة للجدل والاعتراض.
وقد طالعتُ الكتاب حتى نهاية حرف الدال (ص256)، وأنا بصدد إكمال الباقي، وقد دونت بعض الملاحظات التي قد يستفيد منها مستقبلاً الأستاذ الباحث والمهتمون.
1- ربما كان من الأفضل لقاموس «الوافي» في اللهجة الكويتية، أن يتم جمع الكلمات التراثية أو المتعلقة بمهن البحر والغوص والسفن وبالمهن الأخرى، وكذلك الكلمات والتعابير القليلة أو النادرة الاستعمال، في معجم خاص يتم إعداده لهذا الغرض، وفي الكثير من اللغات واللهجات قواميس تاريخية أو مهنية، في حين يخصص متن المعجم الحديث للكلمات المتداولة، مع وضعها أي الكلمات في جمل وتعبيرات عصرية واضحة.
2- جاء في (ص11)، في مقدمة الكتاب اقتباس عن كتاب يقول «الخصائص» لابن جني يقول «فاللغة العربية هي اللغة التي انشقت منها اللغات الأخرى»، ومن المستبعد بل المستحيل أن يجمع علماء اللغة بمن في ذلك علماء العالم العربي والإسلامي، على اعتبار اللغة العربية «أصل مختلف لغات العالم!».
3- مادة «إدّاد» ينبغي أن تكون «الدّاد»، يشرح الرشيد استخدام الكلمة فيقول: «تقول له: إداد لك منهم، وتعني كيف صبرت على هذه المعاناة»، وأحياناً يقول الشخص عن نفسه «إدّاد لي من هالشغل»، وينسب الرشيد الكلمة إلى كلمة «الإد» في اللغة العربية والأمر الفظيع والداهية والأقرب إلى المنطق أن تكون الكلمة مأخوذة من كلمة فارسية معروفة واسعة الاستعمال بالفارسية وهي «داد» بمعنى العدالة والمساعدة والإنصاف، وتسمى المحكمة بالفارسية «دادكاه» (Dadgah)، ويسمى «دادنامة» الحكم الصادر من المحكمة.
4- يقول الباحث عن كلمة «أرناق» (Arnag) تقول: «رحت السوق وشفت أشكال وأرناق»، أي رأيت من البضائع المختلفة، ونقول «فلان هذا رنقه» أي هذه أطباعه، مفردها رنق، واللفظة هندية سواحلية. (ص41)، والأكثر احتمالاً أن الكويتيين قد أخذوا الكلمة عن التركية أو الفارسية، فالقاموس التركي المعاصر
Redhouse Büyük ELsozlugü، 2002، Istanbul وهو قاموس تركي-إنكليزي، يورد مقابل کلمة Colour الإنكليزية التي تعني اللون، كلمتين تركيتين كلتيهما في اللهجة الكويتية، وهما «رنق» (Renk) و«بوية» (Boya)، وكذا القواميس الفارسية-الإنكليزية، ومنها «فرهنك نوين بیوسته» لكاشاني، الولايات المتحدة 1986 الذي يورد کلمة «رنك» مقابل کلمه Color، فربما أخذت السواحيلية كلمة «رنك»، وانتقلت منها إلى لهجات أخرى.
5- في مادة «استكانة»، بمعنى قدح الشاي، (ص43)، يقول الباحث: «استكان، الفنجان، الاستكان (در عراق) قدح الشاي، الكوب».
وواضح أن الباحث قد اقتبس كلمة «در عراق» من المصدر، وهو قاموس (فرهنك فرزان- دون أن يترجم «در» الفارسية، وهي حرف الجر «في»، فيريد صاحب قاموس فرزان أن يقول: «الاستكان في العراق» بمعنى القدح أو قدح الشاي.
6- تحتاج مادة «أشْكَرَه» (ص45) إلى إعادة صياغة، فالكلمة في القاموسين الفارسي والتركي، تعنى «بصراحة»، أي openly، ويشرحها قاموس مشير Farhang Moasher، طهران 2012، بمعنى «علني أو صريح»، وهي بالفارسية «آشكارا»، وفي القاموس التركي Asikar، فالكلمة من الفارسية ودخلت التركية.
7- لم يشرح الباحث الشطر الأخير من أهزوجة «يا صاجة» وما فيها من تناقض، وما سببه ويقول الشطر:«يا صاجة ويا صاجة.. ما صِدَقتي». (ص46).
8- في مادة «أم صَكْمة»، يحاول الباحث العثور على أصل فصيح الكلمة «صكمة» (Sachma)، وكلمة Sagma موجودة في القاموس التركي وتُنطق Sachma وقد دخلت اللهجة الكويتية من اللغة التركية، ويشرحها القاموس المشار إليه فيقول:
(Anything scattered or sprinkled
أي كل ما يتناثر وينتشر).
(Small shot for hunting قطع
صغيرة للصيد)،
(Nonsense، incongruous talk الكلام الفارغ غير المتماسك)، ولكلمة Sachma كما تنطق أو Sagma كما تكتب بالتركية هذه المعاني الثلاثة في القاموس.
9- مادة «أورطة»، وهي، يقول الباحث «لعبة كويتية شعبية»، ونضيف هنا: تعني كلمه أورطة Orta بالتركية «الوسط» أو «المركز»، فمثلاً عبارة Orta Dogu تعني «الشرق الأوسط»، و«وسط آسيا» Orta Asya. وتتضمن لعبة الأورطة الشعبية رسم مثلث على الأرض.
10- ويقول الباحث خالد الرشيد في معجم اللهجة الكويتية «الوافي» شارحاً كلمة الإعجاب الكويتية المعروفة «أيّباه»! فيقول: «كلمة تقال لاستحسان الشيء، تقول: أيّباه خوش غدا» للإعجاب بالأكل، ويضيف الباحث محاولاً البحث عن أصل عربي فصيح للكلمة، فيقول: «ولعل أصلها العربي (وا أبتاه)، وهي كلمة تستخدم للتعجب من الشيء».
والأرجح، فيها أرى، أن كلمة «أيباه» هي دمج لكلمتي إعجاب تركية وهما «أي» Ay للتعبير عن المفاجأة أو الإعجاب أو الاندهاش، يقول القاموس: Exclamation of surprise، وتعبير آخر بالتركية Bah بمعنى «مستحيل»، أو مش ممكن Bravo، Excellent، Good، Impossible ويمكن بهذا القول إن «أيباه» تعبير تركي عن إعجاب كبير بشيء أو حالة أو فكرة، وبالفارسية «بَهْ بَهْ»، ويقول أيوب حسين في كتابه «من كلمات أهل الديرة»: «إن الكويتيين يقولون عند الاستحسان أيّباك» (ص72).
11- تحتاج كلمة «باكه» كذلك للتوضيح، وتعني كما يقول الباحث أكلة الكراعين (ص69)، أي ما يسمى عادة باجة Pachah وهي أكله تعد من طبخ كرش ورأس وأطراف الغنم، وقد لا يكون من الدقة أن يسميها المعجم «باكة»، والكُراع في «المنجد» هو «مستدق الساق ما دون الركبة في الإنسان من مقدم الساق، وفي الدواب ما دون الكعب».
12- من أغرب كلمات المعجم «بتّل»، أي استمر يمشي مستقيماً، ويقال: بتّل إلى آخر الشارع تحصل ذاك الشيء- أي تصل إلى المكان، وجاء فلان امبتّل، أي جاء فلان مسرعاً.
وقد أحسن الباحث في ملاحظة الكلمة ورصدها، إذ لم يلاحظها أو لم ترد في كتاب «أيوب حسين»، وتستحق الكلمة بحثاً أعمق في قواميس اللغة واللهجات وفيما إذا كانت لها علاقة بكلمة «بتّ» أو أنها تعديل وتحريف عن كلمة أخرى، كما يحدث في بعض الأحوال مثل «تبتّل إلى الله تعالى»، بمعنى انقطع وأخلص، ويقال قد تبتل أي قطع كل شيء إلا أمر الله وطاعته. (لسان العرب).
13- «باركَه» يقول المعجم إنها تعني «أحد المواقع التي تتخذها صاحب العمل بموقع أحد المنازل أو الأمكنة»، وللكلمة علاقة بحياكة البشوت (ص66)، وكلمة «باركاه» Bargah الفارسية تطلق على مكان تُقابلُ فيه الشخصياتُ البارزة ضيوفها.
يتبع، ، ،