خلق طبقة سياسية جديدة
في ظل الظروف القائمة التي تمر بها الدولة موخراً، وتحديداً منذ تعليق مواد من الدستور في كلمة تاريخية ألقاها صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، وقسم الحكومة الجديدة بعد تشكيلها الأسبوع الماضي، وهي في الواقع لا تغيير كبيرا فيها عن السابقة في الأسماء، لا يمكن إلا أن نتصور ونضع خريطة طريق جديدة تكون عبارة عن خطوط عريضة لتحقيق مضامين الخطاب السامي لسمو الأمير، وكيف للكويت أن تخلق جواً صحياً للعمل القادم الجاد على كل الصعد.
بداية وكما أشرت في مقالي الأسبوع الماضي بعنوان «التعليق فرصة»، يجب على كل مواطن في هذا الوقت أن يلتف حول القيادة السياسية ورمزيتها، بل يناصر كل ما تذهب إليه في توجيهاتها، وذلك لأكثر من سبب وأكثر من مسبب، فالسمع والطاعة لما يتوجه إليه المقام السامي هو الملاذ والمناص الأول والأخير وما جبل عليه أهل الكويت، أما ثانيا فمن الضروري أن تترجم كل المضامين من الخطاب السامي الأخير ومعاونة السلطة التنفيذية التي أصبحت المهيمنة «حرفيا» على مفاصل الدولة كافة دون تدخل من تلك التشريعية البتة.
فملف الهوية الوطنية وغيره من الأمور وجب التصدي له الآن مع الملفات الأخرى التي تُعنى بالمشاريع التنموية الكبرى وليس بالبنيان فحسب، بل حتى بالإنسان والمنوطة بالتنمية البشرية وتطوير الكوادر الوطنية، وأكرر مرة أخرى أن من الواجب الالتفات إلى تنوع مصادر الدخل القومي بعيداً عن الملاءة المالية التي يوفرها بيع النفط الخام، بل الالتفات إلى تعزيز السياحة الإقليمية للدولة والاستثمار ودعم المشاريع الصناعية وجعل القطاع الخاص يقف على رجليه من بعد تحمل مسؤولياته وغيرها من الأمور.
كل هذا وغيره لا يمكن أن يحدث إلا إن وجدت خريطة طريق واضحة المعالم بينة الجوانب الدقيقة المدروسة من الحكومة الجديدة التي تُعنى بشؤون البلاد والعباد، وتكون ذات صلة بحياة المواطن الكويتي اليومية، ليرتفع مستوى معيشته ويتحسن دخله ليس بزيادة راتبه فقط، بل من خلال جودة الخدمات المقدمة له.
ولا يمكن أيضا أن يتم هذا كله إلا إن كان حجر الزاوية في المرحلة المقبلة هو خلق طبقة سياسية جديدة في دولة الكويت تتكون من رجال دولة من خلفيات متعددة واختصاصات متنوعة تشمل العلوم والتكنولوجيا والآداب للجلوس على طاولة مستديرة واحدة ترفع تصوراتها في شتى مناحي الحياة المستقبلية، ليتمكن متخذ القرار من اتخاذ قرار مدروس قد تمت صناعته من المختصين المعنيين لا بارتجالية قد توثر على أي طرف مستقبلي وتخل توازنه.
ولعل هذه الطبقة ذات «الطابع الفني» التي تشمل الساسة أيضا هم ملاذ الدولة في قادم الأيام والتي ستصنع المستقبل ويتشكل من خلالها طبقة تمثل السياسيين الجدد في المستقبل دون أي انحراف يشوه المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي أيضا.
علاقة أهل الكويت مع حكامها على مر قرابة أربعة قرون من الزمن فريدة من نوعها، وترتكز بشكل أساسي على المكاشفة والمصارحة والمصداقية لما فيه خير البلاد والحفاظ على مستقبلها وديمومتها، ولعل في هذا الزمن أفضل طريق لتحقيق الحلم الأمثل في مواكبة ركب الأمم هو العمل على صناعة شخصيات وطنية تعمل بجد واجتهاد على وضع تصورات واضحة المعالم للمستقبل القريب بدءا من إعادة دراسة الدستور الكويتي وانتهاء بترجمة هذه التعديلات إلى واقع جديد جميل.