لماذا فشل العراق في انتخاب رئيس جديد للبرلمان؟
انقسام شيعي حاد حول المنصب «يختبئ» خلف عجز القوى السنّية عن التوافق
بعد نحو نصف عام من الفراغ في رئاسة مجلس النواب العراقي، فشلت القوى العراقية بانتخاب رئيس جديد، في جلسة رابعة من نوعها عُقدت السبت الماضي وحضرها 311 نائباً في اختيار رئيس جديد للبرلمان، خلفا لمحمد الحلبوسي الذي أقالته المحكمة الاتحادية في نوفمبر الماضي، بقرار غير مسبوق على خلفية دعوى قضائية.
جلسة السبت، صوّت خلالها مجلس النواب على مرشحي الرئاسة، إلا أنه لم يحصل أي مرشح على النسبة القانونية (النصف زائد واحد)، أي بواقع 166 صوتا، لتبوؤ المنصب.
وحصل مرشح كتلتي «عزم والسيادة» (سنّة)، سالم العيساوي على 158 صوتاً ومحمود المشهداني مرشح حزب «تقدّم» (سنة) الذي يرأسه رئيس مجلس النواب المُقال محمد الحلبوسي، على 137 صوتاً، في جلسة شهدت تلاسنا وتشابكا بالأيدي بين أعضاء القوى السياسية السنية في مجلس النواب.
وكان بطل هذه الحادثة هو النائب هيبت الحلبوسي، الذي وصفه الجميع بـ «البلطجي»، بعد أن قام بالاعتداء على النائب مثنى السامرائي، ليتم ضربه من قبل أحد النواب.
وأشار مصدر سياسي عراقي، في حديث لـ «الجريدة»، إلى «وجود خلاف حاد بين المكونات الشيعية على دعم المرشحين السنّة لمنصب رئيس البرلمان، وهذا هو سبب تأخير انتخاب الرئيس الجديد له».
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم كشف اسمه، أن «الخلاف السني أقل حدة من الخلاف الشيعي الذي يتضمن خلافا بين زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي من جهة، وهو الذي يدعم بشكل غير محدود المرشح المشهداني، وبين زعيم حركة عصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، وعدد من الحركات السياسية التي لها أجنحة مسلحة، وهي تدعم العيساوي للمنصب».
وأضاف أن «أغلب الكتل الشيعية لا تريد الإفصاح عن هذه الأمور، في مسعى منها لرمي الخلاف بملعب المكونات السنيّة، ما عدا المالكي الذي أعلن دعمه المُطلق للمشهداني».
وبيّن أن «الخلاف الشيعي وعدم الاتفاق على المرشّح السني هو سبب تأخير حسم منصب رئيس مجلس النواب، وليس كما يُشاع بأن الخلاف سني»، مضيفا أن ذلك «يوضح أن الكتل الشيعية باتت تتدخل، لأول مرة منذ 21 عاما على تغيير نظام الحكم في العراق، بمصير رئيس البرلمان، لكون الاختيار في السابق كان سنيا - سنيا (يُحسم من قبل الكتل السنية)، ثم تصوّت الكتل الشيعية فقط».
وتابع أن «سياسيي المكون الكردي أصبحوا مؤثرين على المنصب السنّي، وهذا يعني أن المكون السني يمرّ بأضعف حالاته».
وأوضح أن «الكتل الشيعية متخوفة من تسلم العيساوي المنصب، لكونه سيفتح ملفات خطيرة كانت الأحزاب السنية قد وعدت جمهورها بها، مثل قانون العفو العام، بينما لن يقدم المشهداني على هذه الخطوة».
وتابع أن «الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافل طالباني يدعم العيساوي، بينما الحزب الديموقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني، يتبع مبدأ الاستفادة، أي أنهم يصوتون لأي مرشح يعدهم بتمرير قانون الانتخابات الخاص بإقليم كردستان».
في غضون ذلك، أوضح المتحدث باسم ائتلاف دولة القانون، النائب عقيل الفتلاوي، أن «تقدم العيساوي بالأصوات على نظيره المشهداني فاجأنا، ونجهل الأسباب التي أدت إلى ذلك، وكنا متحمسين لفوز الأخير، ولم يكن موقفنا غامضا»، مبينا أن «دولة القانون لم تشارك في افتعال فوضى جلسة الانتخاب».
وبيّن أن «أعضاء الحزب كلهم صوتوا لمصلحة المشهداني، وصوروا أوراق اقتراعهم اثناء التصويت له، ليس من جانب عدم الثقة، لكن خوفا من أن يتم التشكيك بنا من قبل البعض».
وقال إن «رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي حثّ قادة المكون السنّي المؤثرين على أن يجدوا مخرجا وحلولا لرئاسة البرلمان»، موضحا أن «عدم وجود رئيس للبرلمان أمر لا يروق لنا».
وأشار الى «عدم القبول بأن يكون الإطار التنسيقي هو الطرف المُجبر على التنازل دائما»، مبينا أن «التنازل عن الاستحقاقات من قبل الإطار التنسيقي يعني سحب البساط من تحت البيت الشيعي، ونخشى من التدخلات الخارجية بهذا الملف».
من جهته، أكد المتحدث باسم كتلة الصادقون، النائب محمد البلداوي، في حديث لـ «الجريدة»، أن «قادة قوى الإطار التنسيقي حاولوا تقريب وجهات النظر بين القوى السنية للتوافق على شخصية محددة لتسنّم رئاسة البرلمان، إلا أن هذا الأمر لم يحصل بسبب تعنّت طرفَي النزاع السني».
وأضاف أن «القوى السياسية عقدت اجتماعا بمكتب النائب الأول بعد انتهاء الجولة الثانية لإيجاد حل، أما المضيّ بعقد جولة ثالثة لانتخاب الرئيس أو الذهاب للتأجيل»، مشيرا الى أن «حزب تقدم وافق على التأجيل، لكن عزم والسيادة رفضا هذا الخيار».
من جانبه، كشف القيادي في تحالف حسم، محمد الفهداوي، أن «الحلبوسي قدّم مغريات بآلاف الدولارات لبعض النواب من أجل تمرير مرشحه لرئاسة المجلس»، مشيرا الى أن «نواب تقدم هم من أثاروا الفوضى في المجلس لعرقلة المضيّ بجولة ثالثة لانتخابات الرئيس». أما العضو في الإطار التنسيقي، عقيل الرديني، فرأى أن «الإطار التنسيقي طالب بتوحيد القرار السني لترشيح شخص يتولى منصب رئيس البرلمان، لكنهم لم يتسجيبوا، مما تسبب في مشكلة»، مبينا أن «الموضوع يحتاج إلى جلسة تشاورية بين القوى السنية والكردية والشيعية، من أجل الاتفاق على شخصية تحظى بمقبولية وتمريرها لرئاسة المجلس».
وتابع أن «أزمة اختيار رئيس جديد للبرلمان شبيهة بأزمة اختيار رئيس الوزراء في فترة اختيار محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء، بعد انسحاب زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من المشهد السياسي، بعد خلافات دامت أشهر».
وقال إن «رئيس تحالف عزم، مثنى السامرائي، على خلاف مع رئيس تقدّم، محمد الحلبوسي، والجانبان يرفضان التوافق على شخصية معيّنة لرئاسة المجلس»، مبينا أن «الإطار التنسيقي لا يريد انسحاب أي جهة من العملية السياسية، بل نسعى لمشاركة الجميع في الحكومة لإنجاح البلد وتجنيبه الأمور السلبية».