أثار طلب مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرات توقيف مسؤولين إسرائيليين، في مقدمتهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه يوآف غالانت، وكبار قادة حركة حماس، بتهم ارتكاب «جرائم حرب وضد الإنسانية»، انقساما على الساحة الدولية، إذ أكدت الولايات المتحدة وألمانيا مساندتها للدولة العبرية، ووجهت انتقادات للخطوة، بينما أعربت الصين عن أملها أن تكون المحكمة موضوعية، وأكد الأردن تأييده للتحرك القضائي الذي لم يعرف على وجه الدقة فرص تطبيقه الصعبة على أرض الواقع.

واستغل الرئيس الأميركي جو بايدن حضوره مناسبة «شهر التراث اليهودي» ليل الاثنين ـ الثلاثاء، للتنديد بسعي المحكمة الشائن إلى إصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، قائلا إن «المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يضع القادة الإسرائيليين وقادة حماس الإرهابيين على نفس المستوى»، وأكد مجدداً وقوف الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في جهودها للقضاء على زعيم «حماس» يحيى السنوار «وسفاحي حماس الآخرين».

Ad

وأضاف: «نريد هزيمة حماس، ونحن نعمل مع إسرائيل على تحقيق ذلك»، كما نفى صحة الاتهامات التي وجهتها جنوب إفريقيا لإسرائيل، في محكمة العدل الدولية التي تعترف الدولة العبرية بميثقاها خلافا لما هو عليه الأمر في «الجنائية الدولية»، بارتكاب «إبادة جماعية»، ورأى أنه «مهما كان ما قد يلمح إليه هذا المدعي العام، فلا يوجد تكافؤ، لا شيء، بين إسرائيل وحماس».

في موازاة ذلك، هدد رئيس مجلس النواب الأميركي مايك جونسون باللجوء إلى طرح تصويت على عقوبات ضد مسؤولي «الجنائية الدولية»، الذين يحققون مع مواطنين أميركيين أو حلفائهم مطلع الأسبوع المقبل، مشيرا إلى أن الكونغرس يراجع كل الخيارات، لضمان مواجهة قيادات المحكمة لعواقب إذا مضوا قدما.

وفي أوروبا، أعربت الخارجية الألمانية عن أسفها لكون قرار خان يعطي «انطباعا خاطئا بالمساواة» بين الطرفين، لكنها شددت على «احترام استقلالية» المحكمة الدولية.

وبينما وصفت الحكومة البريطانية خطوة خان بأنها غير مفيدة، أعربت فرنسا عن دعمها لـ«استقلالية» الجنائية الدولية ومكافحة الإفلات من العقاب.

وأكد رئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل أن «على كل الدول التي صادقت على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية أن تنفذ قراراتها».

موضوعية وتوضيح

على الجهة المقابلة، أعربت وزارة الخارجية الصينية عن أملها في أن «تحافظ المحكمة على موقعها الموضوعي وغير المنحاز، وتمارس صلاحياتها تماشيا مع القانون»، على خلفية تحركها المتزامن مع استمرار حرب غزة التي اندلعت عقب هجوم «طوفان الأقصى»، الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر الماضي.

ودعا المتحدث باسم الخارجية وانغ ونبين إلى وضع حد لـ «العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني»، مضيفاً أن بكين تدعم «المساعي الرامية للتوصل إلى حل شامل وعادل ودائم للقضية الفلسطينية».

كما أكد وزير خارجية الأردن أيمن الصفدي، خلال مؤتمر مع نظيره السويدي توبياس بيلستروم، أن المحكمة الجنائية الدولية وجدت «لتأخذ العدالة مجراها»، مشدداً على وجوب أن «يحترم الجميع قراراتها».

وأشار إلى أن الأردن مستمر في الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني، و«لن تثنيه الهجمات الإرهابية (في إشارة لاعتداءات المستوطنين والقوات الإسرائيلية) من إيصال المساعدات إلى غزة والضفة الغربية».

في هذه الأثناء، أوضح المتحدث باسم الخارجية القطرية ماجد الأنصاري أن الدوحة تدعو المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته لمواجهة كل جريمة من الجرائم في غزة على حدة. ووسط تساؤلات حول مصير مكتب «حماس»، الذي تستضيفه الدوحة ورئيسه إسماعيل هنية، والمشمول بمذكرة الاعتقال المرتقبة، إلى جانب زعيم الحركة في غزة يحيى السنوار، وقائد الجناح العسكري محمد الضيف، أشار الأنصاري إلى أن قطر ليست طرفا في نظام «الجنائية الدولية».

ضغوط واستنفار

وغداة كشف المدعي العام عن تحركه بالهيئة القضائية الأممية، التي انضمت لها 124 دولة، دعا غالانت إلى «رفض محاولة خان حرمان إسرائيل من حق الدفاع عن نفسها وإطلاق سراح المختطفين»، مؤكدا عدم الاعتراف بسلطة المحكمة، التي تتخذ من لاهاي في هولندا مقرا لها.

ووسط قلق من تداعيات الخطوة المرتقبة، بدأت إسرائيل حملة مضادة لاحتواء ومنع وقوع أضرار قانونية وسياسية على نتنياهو وغالانت. وتضمنت الخطوات، التي باشرت بها الحكومة الإسرائيلية، إنشاء ما وصفته بغرفة حرب لإسقاط قرار التوقيف المرتقب. وطالبت الحكومة أمس الدول الصديقة بإعلان أنها لن تنفذ القرار في حال صدوره.

وأجرت وزارة الخارجية الإسرائيلية اتصالات مع الدول الكبرى، وارسلت وفدا من الخبراء إلى لاهاي ومحافل دولية أخرى، للادعاء بأن «الجنائية» ليست صاحبة اختصاص، وأن لدى إسرائيل منظومة قانونية وقضائية تقوم بعمليات التحقيق اللازمة، وأن ما ذهب إليه المدعي العام عار من الصحة.

وذكرت تقارير عبرية أن نتنياهو افتتح جلسة كتلة الليكود بجمع تواقيع أعضاء الحزب على عريضة ضد قرار المدعي العام للجنائية الدولية. وفيما يبدو إصرارا على السير في الاتجاه ذاته، الذي قاد إلى تدخل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، نقلت هيئة البث العبرية عن مسؤول إسرائيلي أن مذكرات الاعتقال في لاهاي لن تؤثر على استمرار الحرب التي تسببت في مقتل 35 ألفاً و647 فلسطينياً بينهم 85 سقطوا أمس.

وأشارت مصادر إلى أن الأمر تحول إلى حالة ارتباك بإسرائيل، في ظل قلق متعاظم من ألا تتوقف طلبات المدعي العام بإصدار أوامر توقيف عند نتنياهو وغالانت، وتطال تلك الطلبات قادة الجيش والمؤسسات الأمنية. وتحدثت أوساط عبرية عن شعور قادة إسرائيل بحالة من القلق والريبة بعد صدور قرار خان، الذي ألغى بشكل مفاجئ زيارة كانت مقررة لتل أبيب، وسط تقديرات بأن خطوة الأخيرة منحت «ضوءا أخضر من تحت الطاولة من قبل إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن» التي فشلت حتى الآن في كبح جماح حكومة الائتلاف اليميني المتشدد لوقف الحرب ومنع تدهور الوضع الإنساني بغزة.

معارك وضحايا

ميدانيا، أفيد بوقوع معارك محتدمة في عموم مناطق القطاع الفلسطيني المحاصر، فيما أعلنت القيادة الأميركية الوسطى «سنتكوم» تسليم 600 طن من المساعدات عبر الميناء العائم الذي بنته قبالة غزة أمس.

وفي خطوة تؤشر لاحتمال انزلاق الوضع إلى المزيد من التصعيد على جبهات أخرى، أطلق الجيش الإسرائيلي حملة عسكرية في جنين لمدة أيام. وأسفرت المواجهات والاشتباكات عن مقتل 7 فلسطينيين، بينهم طبيب ومعلم وطالب، وإصابة 9 بجروح، 2 منهم بحالة خطيرة أمس.