عدت للتو من رحلة إلى ولاية فلوريدا، حيث دُعيت إلى برنامج الإقامة الفنية في أستديوهات جزيرة كي وست The Studios of Key West لشهر كامل كوني فنانة تشكيلية متخصصة بفن المنمنمات الحديثة (المينياتور)، حيث كنتُ المشاركة الأولى من بلد عربي، ومن أبعد نقطة جغرافية عن موقع الاستديوهات، وكانت رحلة رائعة لا تُنسى أشارككم هنا بعض تفاصيلها.
كانت المحطة الأولى في هذه الرحلة ميامي، حيث لبثت فيها بضعة أيام قبل أن يحين موعد المغادرة إلى الجزيرة، وميامي هي مدينة ذات أغلبية لاتينية، وللأمانة فقد كانت مخيبة للآمال لاسيما أنها ذات سمعة عالمية، فهي غير نظيفة وغير آمنة مقارنة بمدن بعض الدول الشقيقة كالدوحة ودبي، كذلك فقد صُدمت من غلاء الأسعار وارتفاع الضريبة كتبعات «كورونا»، لكنني استمتعت بارتياد بعض المتاحف والمعارض الفنية هناك.
ثم حان الوقت بعد ذلك للذهاب إلى «كي وست» وهي النقطة الجنوبية القصوى من الولايات المتحدة، وهي أقرب لكوبا من أميركا! تتسم بالطبيعة الاستوائية الخلابة والعمارة البسيطة الزاهية الألوان مما يجعلها تستقطب السياح من حول العالم، وهي جزيرة صغيرة يمكنكم التنقل فيها بالدراجة الهوائية أو سيراً على الأقدام، هواؤها طلق صحي على الرغم من أجوائها الحارة المشمسة ورطوبتها الاستوائية، وهي آمنة للغاية كونها وجهة سياحية هادئة للأثرياء.
ومن أسرار جمال الجزيرة– بالإضافة إلى طبيعتها الرائعة- الالتزام بقوانين بناء محددة تحترم المنازل والمعالم التاريخية فيها، فنجدها ذات مفردات معمارية موحدة وارتفاعات بسيطة بلا ناطحات سحاب قبيحة تغطي أفق السماء اللامتناهي، لذا اشتُهرت بمنظر الغروب الآسر فيها الذي يجتمع الناس كل يوم لمشاهدته على الشاطئ.
استمتعت كثيراً ببرنامج الإقامة حيث قامت الاستديوهات برعايتي على أكمل وجه، فوفرت لي السكن في منزل الفنانين، وكان لي نصيب الأسد حيث خُصصت لي الغرفة الأكبر المطلة على الشرفة والمحتوية على مختلف سبل الراحة، وكانت هذه الأجواء الجميلة تبعث على الإبداع، فرسمت لوحتين بتفاصيل دقيقة ستشارك إحداهما في معرض الاستديوهات السنوي كتعبير عن امتناني لهذه الاستضافة الكريمة، ويمكنكم مشاهدة أعمالي الفنية على حساب الإنستغرام الرسمي:
@kw.miniature أما الفائدة الكبرى من هذه الزيارة فكانت تكمن في التبادل الثقافي، فالشعب الأميركي ودود جداً ويتسم بالانفتاح وعدم إطلاق الأحكام على الآخرين بناءً على العرق أو الشكل الخارجي، على عكس ما يظهره الإعلام لنا من صورة مبالغة تركز على الاستثناءات، هم مبتسمون على الدوام رغم صعوبة العيش واضطرارهم للعمل ساعات طويلة، وعلى الرغم من وجود الأغلبية الثرية في هذه المنطقة فإنني لم ألمس الهوس بالمظهر الخارجي و«الماركات» الذي نراه هنا، بل أتصور أن أي شخص بهذا المنظرالمبالغ فيه– والمصحوب غالباً بالأسلوب الفوقي الفظ- سيكون أضحوكة ومدعاة للسخرية هناك فماذا دهانا؟! لماذا نحن عابسون على الدوام على الرغم من سهولة العيش والرفاهية القصوى في الكويت؟ أسئلة استوقفتني كثيراً أترك لكم المجال لإجابتها!