وسط جهود دبلوماسية مضنية لوضع حد للمأساة الناجمة عن استمرار الحرب على غزة منذ 233 يوما، رحبت عدة دول عربية، في مقدمتها الكويت والسعودية ومصر والأردن والإمارات، بالقرارات الصادرة عن محكمة العدل الدولية، القاضية بأمر إسرائيل بوقف هجومها على رفح جنوب القطاع الفلسطيني المحاصر، والسماح بدخول المساعدات.
وأعربت وزارة الخارجية عن ترحيب الكويت وتأييدها الكاملين لقرار أعلى هيئة قضئية تابعة للأمم المتحدة بشأن فرض تدابير مؤقتة جديدة، في مقدمتها ضرورة وقف قوات الاحتلال الإسرائيلية عملياتها العسكرية في مدينة رفح، باعتبارها الملاذ الآمن والأخير للشعب الفلسطيني في قطاع غزة. وشددت وزارة الخارجية، في بيان أمس، مجدداً، على أهمية تنفيذ كل التدابير المؤقتة التي أعلنت عنها «العدل الدولية» منذ بدء الدعوى التي تقدمت بها جنوب إفريقيا ضد القوة القائمة بالاحتلال.
وقال البيان إنه في الوقت الذي تطالب وزارة الخارجية بإلزام الكيان الإسرائيلي المحتل بمضمون التدابير المؤقتة التي أعلنتها «العدل الدولية»، وما سبقها من إعلانات ووفق ما نصت عليه الآليات القانونية لمتابعة هذا التنفيذ، فإن الكويت تدعو المجتمع الدولي إلى إلزام ذلك الكيان للإذعان واحترام جميع التدابير بهذا الخصوص، والعمل على الوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية من دون قيد أو شرط.
كما رحب الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبوالغيط، بقرار المحكمة، مشدداً على أن «عدم امتثال إسرائيل للقرار يعني المزيد من الإخلال بتعهداتها حيال اتفاقية منع الإبادة الجماعية».
مطالبات وضغط
في موازاة ذلك، دعت عدة جهات دولية وغربية إسرائيل لضرورة الالتزام بقرارات المحكمة التي أمرتها بوقف عملياتها العسكرية أو أي أعمال أخرى في رفح المتاخمة للحدود المصرية، وفتح معبر رفح مع مصر لدخول المساعدات الإنسانية، وضمان وصول أي لجنة تحقيق أو تقصي حقائق بشأن تهمة الإبادة الجماعية، وأن تقدم للمحكمة خلال شهر تقريراً عن الخطوات التي ستتخذها في هذا الشأن.
وطالبت وزارة الخارجية التركية مجلس الأمن بـ «أداء دوره» لإجبار الدولة العبرية على تنفيذ قرار المحكمة، فيما شدد مسؤول السياسية الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل على أن أوامر «العدل الدولية» ملزمة لجميع الأطراف، ويجب تنفيذها بشكل كامل وفعال.
وتوقّع رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، من كل الأطراف تنفيذ قرارات المحكمة بما في ذلك إنهاء أي عمليات عسكرية برفح، ومؤكدا الحاجة إلى «وقف فوري لإطلاق النار» في غزة.
ورأى المنسق الأممي للإغاثة، مارتن غريفيث، أن المطالبة بالوقف الفوري للعمليات العسكرية في رفح أصبحت أعلى من أن تتجاهلها إسرائيل، واصفا قرارات «العدل الدولية» بأنها «لحظة الحقيقة» للمطالبة باحترام قواعد الحرب وتسهيل الإغاثة الإنسانية.
إحالة وضغط
وأمس، أعلنت الأمم المتحدة إحالة قرارات «العدل الدولية» إلى مجلس الأمن الدولي للتصويت عليها، وهو ما يعني وضع الائتلاف اليميني المتشدد بزعامة بنيامين نتنياهو تحت ضغط الحاجة إلى الحصول على «فيتو» من إدارة الرئيس الأميركي الديموقراطي جو بايدن، التي أبدت تحفّظات عديدة بشأن مسار الحرب وجهود وقف إطلاق النار وإطلاق سراح المحتجزين، لوقف منح القرارات القضائية قوة تنفيذية أو ثقلا دبلوماسيا.
وفي ظل الخلاف العلني بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، اكتفى متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض بالقول عقب صدور حكم «العدل الدولية» بالقول: «كنا واضحين وثابتين على موقفنا إزاء رفح»، في إشارة إلى المحاذير العديدة التي طالبت واشنطن بمعالجتها قبل شن أي عملية بالمدينة المكتظة بمئات الآلاف من النازحين، مع رفض تحويلها إلى «حملة اجتياح كبيرة تلحق ضراراً غير مقبول بالمدنيين».
وأقرت المحكمة أمرها بموافقة لجنة من 15 قاضيا من أنحاء العالم، بأغلبية 13 صوتا، ولم يعارضه سوى قاضيين، أحدهما من أوغندا والآخر من إسرائيل.
ومع تنامي التحذيرات الداخلية من زيادة عزلة إسرائيل الدولية، خاصة بعد المنتدى القانوني العالمي الثاني الذي بدأت «المحكمة الجنائية» الدولية النظر فيه فيما إذا كان ينبغي إصدار أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على الدولة العبرية وتعليق العلاقات الدبلوماسية معها، حتى «تنصاع لقرار محكمة العدل الدولية».
تحدٍّ وقتال
في المقابل، أفادت هيئة البث العبرية بأن رئيس حكومة الحرب رفض اقتراحاً من المدعي العام العسكري لتعديل العمليات العسكرية في رفح، وفحص مدى ملاءمتها لقرار محكمة العدل الدولية.
وأوضحت أن رفض نتنياهو جاء خلال جلسة طارئة عقدها، ليل الجمعة ـ السبت، لمناقشة تداعيات قرار المحكمة التي تتخذ من لاهاي الهولندية مقرا لها.
ميدانياً، ضرب الجيش الإسرائيلي عرض الحائط بالقرارات، وواصل قصفة المدفعي والجوي على عموم مناطق غزة، بما في ذلك رفح التي تشهد معارك برية عنيفة في ظل محاولة تقدّم القوات الإسرائيلية إلى وسط المدينة. وتسببت العمليات الإسرائيلية في مقتل 46 وإصابة 130 خلال الـ 24 ساعة الأخيرة، في حين ارتفع عدد القتلى منذ بدء الحرب إلى 35 ألفا و903.
إغاثة وإنقاذ
وفي سياق الأزمة الإنسانية، أعلنت الرئاسة الفلسطينية، أنها اتفقت مع مصر بشأن إدخال المساعدات الإنسانية من خلال معبر كرم أبوسالم بشكل مؤقت، في ظل إصرار القاهرة على رفض إعادة تشغيل معبر رفح البري من دون وجود طرف فلسطيني، بعد احتلاله من قبل الجيش الإسرائيلي مطلع مايو الجاري.
وجاء ذلك بالتزامن مع تأكيد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أنه ناقش مع الوزير بحكومة الحرب المصغرة، بيني غانتس، ضرورة اختتام المحادثات بين مصر وإسرائيل لإعادة فتح معبر رفح في أقرب وقت ممكن.
وفي سياق قريب، ذكر مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي أن هناك محادثات في مرحلة أولية بشأن نشر بعثة للاتحاد الأوروبي عند معبر رفح الحدودي في غزة، وأن مثل هذه الخطوة لن تحدث قبل انتهاء الحرب بين إسرائيل و«حماس». وأشار الدبلوماسيون إلى أن واشنطن اقترحت على التكتل إحياء البعثة الأوروبية للمساعدة الحدودية التي توقفت منذ عام 2007 عندما سيطرت «حماس» بالكامل على القطاع.
في هذه الأثناء، قررت إيطاليا استئناف تمويل وكالة «أونروا» بتمويل جديد بإجمالي 35 مليون يورو، فيما أفادت تقارير عبرية بـ «إنقاذ جزء من الرصيف الأميركي قبالة سواحل غزة، بعد أن جرفته المياه إلى سواحل أسدود الإسرائيلية».