ذكرت في الجزء الأول بعض الملاحظات التي قد يستفيد منها الباحث خالد عبدالقادر عبدالعزيز الرشيد، وفيما يلي استكمال لجزء آخر منها:
14- بْتلش: يقول الباحث إن الكلمة تنطق «ابتلش» بمعنى تورط، كقولهم «فلان اشترى سيارة قديمة وابتلش فيها». وينسبها الباحث إلى البلوة والبلية والبلاء، أي بُلي بالشيء بلاء. (ص73).
وفي «الموسوعة الكويتية» لحمد محمد السعيدان مادة مفيدة في توضيح أصل كلمة «بلش» و«ابتلش» (ج1، ص230، طبعة 1992) تقول موسوعة «السعيدان»: «بلش بمعنى علق أو نشب... و(البلش) عند البدو هو مرض الزهري... و(البلش) قيل إنه نوع من الأمراض الجلدية يسبب حكة في الجلد وخاصة الصدر لا يفتأ المرء يحك صدره حتى تظهر الدماء، و(بَلَش) بمعنى اتهم، يقول أحدُهم فلان بلشني أي اتهمني زوراً وبلشني بمعنى ورطني، وعندما يتورط الإنسان في مشكلة يقول محدثاً نفسه أو أصدقاءه: والله بلشه.
(بلشة ابن حكروص): من أمثال البدو قيل إن ابن حقروص رجل يميل إلى المشاكسات وخلق المشاكل ويصعب التخلص منه. قال شاعر البدو: انشَبْ نشْبَة ناشبٍ فيه نْشاب *** نشبة ابن حقروص كلها عواجه» (ص230).
ويمكن القول إن الكثير من الكلمات والتوضيحات الموجودة في الموسوعة الكويتية لحمد السعيدان لم تجد طريقها للأسف الى معجم خالد الرشيد لسبب يستدعي التوضيح من الباحث «خالد الرشيد»، وإن كانت بعض المواد في معجم الرشيد أوضح أو أشد تركيزاً. (قارن كلمة بربوك وبربوج مثلاً).
15- يشرح الباحث كلمة «بَرَصات» بأنها كلمة هندية «بارش» وكلمة «بارش» في القاموس الفارسي بمعنى هطول المطر أو نزول الثلج أو البرد.
وفي موسوعة السعيدان: «البرصات هياج بحر الهند نتيجة عواصف شديدة وأعاصير تقع ما بين 26 مايو إلى 7 يونيو من كل عام تتسبب في غرق السفن الشراعية، يحسب لها البحارة ألف حساب ولا يبحرون أبداً في هذه الفترة وتدعى بالبرصات، وهى تسمية هندوستانية (برساد) تقال لشدة الأمطار». (ص192)
وفي معجم «الرشيد» الكلمة موجودة في اللغة العربية: «في اللغة: بارش أمطار غزيرة»، ولا يشير إلى أي قاموس! بل يذكر المصدر بأنه «المواطن البحريني ومداخلات الألفاظ الأجنبية» د. حسين قورة.
16- وفي مادة «بْرضت» يقول الرشيد: «تلفظ» «ابْرضت»، وتطلق على نمو الشجر أو الشجيرات المغروسة، ويقال للشجرة: «ابْرِضت»، أي أورقت بعد غرسها، أو اخضرت بعد اصفرارها. في اللغة: البارض: أول ما يظهر من نبت الأرض، ولا أثر لكلمة «برض» في مكانها من موسوعة السعيدان. وقد يحرف البعض الكلمة الى «اضْرِبت» وفي المنجد: برض النبات أي خرج بأرضه، وتبرّضت الأرض أي خرج نبتها، والبارض أول ما تخرج الأرض من نبت.
17- وفي كتاب «السعيدان» و«الرشيد» اهتمام بمادة «بُرطم» أي الشفة. يقول الرشيد: يقال «فلان امبرطم أي زعلان»، ويضيف: «في اللغة البرطام والبراطم: الرجل الضخم الشفة». يقول قاموس «لسان العرب»: «شفة برطام، رأيته مبرطماً، وما أدري ما الذي برطمه إذا غضب، وبرطم الليل إذا اسودّ، وبرطم الرجل إذا أدلى شفتيه من الغضب».
يقول السعيدان: «تبرطم الرجل انتفخ غيظاً وغضباً».
18- وتشرح الكتب الثلاثة- الرشيد، السعيدان، أيوب حسين- مادة «بعر»، فيقول لسان العرب: البعْرة واحدة البعْر، وهي «رجيع الخف والظلف من الإبل والشاء وبقر الوحش والظباء إلا البقر الأهلية فإنها تخثي، والأرنب تبعر أيضاً، ونقول قد بعرت الشاة، والبعير يبعر بعراً، والمِبْعَر مكان البعر من كل ذي أربع، وجمع البعرة أبعار، والبعر: الفقر التام الدائم... الخ.
ويقول معجم الرشيد «الوافي»: البعر براز الجمل، ويقول السعيدان: «البعرور هو البعر، بعر الجمل، ومنه جاءت تسمية بعير، ولكن الكويتيين يطلقون تسمية بعرور على بعر الماعز ويسمى دِمِن». ويورد «السعيدان» بالمعنى نفسه كلمة لا نجدها في معجم الرشيد وهي «جَلّة» ويقول إن معناها «دِمِن البعير» ويضيف: «كان البدو يجمعونه ويملأون من أكياس الخياش ويباع في الصفاة ويشتريه الناس للوقود وخاصة الخبازين الذين يتخذونه وقوداً للتنانير، (جمع تنور بمعنى فرن).
ومن عجائب الأدوية الشعبية ما يقوله السعيدان عن فوائد واستخدامات «الجلة» الأخرى قوله: «ومن فوائد الجلة أنهم يستخدمونها لعلاج اللوزتين، كما يؤخذ رماد الجلة ويفت على جروح البعير ويقال في هذا «خذ من بعره وفت على ظهره»!
وكانت للجمل كذلك في الكويت مكانة متميزة، فهو السيارة وقت السلم، والدبابة أو المدرعة وقت القتال، وهو سفينة الصحراء في السفر ومصدر الحليب واللحم وغير ذلك.
وفي «الموسوعة الكويتية» عن هذا الحيوان المتميز الصبور الخدوم والذي قد يجازى بالنحر بطريقة مؤثرة: «كان الكويتيون يستخدمون الجمال للسفر إلى الحج ويستغرق السفر إلى مكة بواسطة الجمال شهرين ذهاباً وإياباً وما زال بعض الناس يستخدمون الجمال للحج حتى عام 1954، كما يستخدم الجمل لنقل الحطب والأسفار الأخرى إلى نجد والشام والحسا ويستخدم الجمل لنقل المياه، ويؤكل لحمه».
وكان وجود «موقف» للجمال أمراً مهماً في مدينة الكويت، ويقول «السعيدان»: «وكان للجمال موقف خاص بالقرب من مسجد السوق يقال له المناخ ثم انتقل مناخ الإبل إلى براحة ابن بحر في مدخل سوق الخضرة ثم إلى الصفاة في مكان مبنى البلدية ثم إلى قصر نايف، وسوق الجمال يسمى سوق البل، وتباع الإبل في سوق خاص بها في الساحة الواقعة ما بين محافظة العاصمة ومبنى مجلس الأمة». (الموسوعة الكويتية، ج1، ص 362)
19- يقول «الرشيد» إن كلمة «بلاليط»، الأكلة المعروفة التي تعد من الشعرية والبيض، كلمة فارسية! ولكني لم أجدها في القاموس، وهناك كلمة «بلال» التي تطلق على الحبوب المحمصة كالذرة والقمح، ولم يدرج الباحث اسم المرجع الذي اعتمد عليه، ولم يشر كذلك إلى مفرد «بلاليط»!
20- سبق أن تحدثنا في مقال سابق (2023/5/7) عن كلمة «بلسوت»، وهي لباس يستخدمه موظفو حقول النفط كلبس ميداني، ويرى الباحث أن أصل الكلمة Boiler suit، وذكرنا في الجزء الثاني من المقال أن أصل الكلمة على الأرجح Bluesuit «البدلة الزرقاء»، ولكن الباحث يؤكد رأيه والتزامه به في معجم «الوافي»، والحكم للقارئ وأهل الاختصاص.
21- مادة «بمبر» في معجم «الوافي» طريفة، والباحث يورد مثلاً شعبياً شديد التعبير والدقه: «بمبرورخامة»، فالبمبرة كما هو معروف فيها مادة لزجة تلصق بكل ما تلامسه وبخاصة الملابس والرخام. وفي الكناية، يقول الباحث، فالمثل «بمبرة ورخامة» يطلق على «الزائر الثقيل الذي يجلس مدة طويلة، وأيضاً لوصف قوة الصداقة، فيقال: وفلان وفلان مثل بمبرة ورخامة.. وقد يكون هذا اللفظ مستحدثاً كونهم في السابق لا يعرفون شيئا اسمه رخام». (الوافي102)
22- يتحدث معجم «الوافي» عن حبوب المكسرات الشعبية المعروفة «البنك»، ويقول الباحث «الرشيد» إنه أي البنك، بفتح الباء والنون، «نوع من الثمر يصلح للأكل بعد المعالجة ويصبح من المكسرات لذيد الطعم معروف في بلاد فارس».
ويباع البنك المطبوخ والمعد والمملح في كل مكان بالكويت... ولكن ما أصل تسميته؟ وهل هي تركية أم فارسية؟
يقول «السعيدان» في الموسوعة إن البنك حبوب صغيرة جداً بحجم خرز المسباح الصغيرة وشكلها يشبه اللوبيا ولها قشرة صلبة تكسر بواسطة الأسنان ويؤكل ما بداخلها من لب، تأتي مغلفة بقشرة خضراء رقيقة ثم تطبخ بالماء والملح ويتخلص من قشرتها الخضراء.. وتُجلب من إيران حيث توجد شجيراتها في بعض الجبال هناك. ويقول الكويتيون «اللي يأكل بنك عقله تنك!».
أما أصل الكلمة كما يوردها «الرشيد» عن الأستاذة «منى صالح خاجة»، فمن شقين، «بُن» وتعني حبة القهوة، و«ك» تصغير لكلمة بن لتصبح «بنك» وتعني حبة البن الصغيرة أو حبيبة البن. (ص105)، ولكن لا وجود في القاموس الفارسي لكلمة «بن»، بضم الباء بمعنى حبوب القهوة كما في العربية، وكلمة «بن» الفارسية موجودة بالضم تعني «قاعدة» أو «أساس» وفي قاموس آخر بالضم، ولا تعني كذلك «حبوب القهوة». إن كلمة «بنك» مأخوذة فيما يبدو من التركية، وهي موجودة في القواميس التركية Benek بمعنى بقعة صغيرة، أي spot بالإنكليزية وبمعنى «الشامة» أو الخال «البارز في الوجه مثلاً، ومنها بالتركية للصفة Benekli، ويضيف قاموس Redhouse نفسه أن كلمه بنك تعني «تنقيط» to mark with spots، كما تسمى ثمرة شجرة الـturpentine، بمعنى أن حبة البنك هي من ثمار هذه الفصيلة.
والخلاصة أن أصل كلمة البنك هو «حبه الخال» أو الشامة، ولا علاقة لها بحبات البن والقهوة، كما يعتقد البعض، وحبة البنك تشبه الشامة أو الخال فعلاً!
يتبع، ، ،