في وقت يجادل قادة إسرائيل بأن حكم محكمة العدل الدولية، الذي صدر بشأن غزة، أمس الأول، لا يعني وقف الحرب بشكل كلّي، ويسمح لهم بمواصلة العمليات العسكرية في عموم القطاع وبمدينة رفح الحدودية المكتظة بمئات الآلاف من النازحين، قام الجيش الإسرائيلي بتقليص حجم قواته في شرق رفح، حيث انسحب لواء غفعاتي خارج المنطقة الفلسطينية، وذلك بعد نحو أسبوعين من بدء العملية التي تصفها تل أبيب بـ «المحدودة».
وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس، بأن «غفعاتي» انسحب ليل السبت ـ الأحد من المنطقة التي شهدت عمليات عسكرية منذ 3 أسابيع، وسط تقارير عن إعادة فتح معبر رفح وانسحاب الجيش الإسرائيلي منه.
ونقلت الصحيفة العبرية عن متحدث باسم الجيش قوله إن «تقليص حجم القوات بغرض الاستراحة وإنعاش الجنود من أجل العودة إلى اللياقة».
وجاءت الخطوة بعد أن قضت محكمة العدل الدولية في لاهاي، يوم الجمعة، بوجوب أن يوقف الجيش الإسرائيلي عملياته العسكرية في رفح فوراً، وأن يفتح المعبر البري أمام إدخال المساعدات الإنسانية الذي رفضت مصر تشغيله بعد سيطرة سلطات الاحتلال الإسرائيلي عليه، وفي ظل غياب أي طرف فلسطيني.
لكنّ الجيش الإسرائيلي أبقى على 4 ألوية قتالية هي ناحال و401، و12 وكوماندوز، وجميعها تحت قيادة الفرقة 162 لمواصلة القتال ضد كتائب «حماس».
وأمس، أعلن الجيش أنه قصف 50 هدفاً في الأربع والعشرين ساعة الماضية.
أسر ونفي
في المقابل، ذكر المتحدث باسم الجناح العسكري لـ «حماس»، أبوعبيدة، أن عناصره تمكنت من إعداد كمين لقوة إسرائيلية مؤلفة من 16 فرداً في جباليا بشمال غزة، مؤكداً أنها تمكنت من إيقاع القوة الإسرائيلية بين أسرى وجرحى وقتلى.
وعرضت «كتائب حماس» فيديو توثيق أظهر السيطرة على أسلحة وسترات وخوذ وجرّ شخص داخل نفق قالت إنه تم تفجيره عقب الانتهاء من العملية المركّبة، فيما سارع الجيش الإسرائيلي إلى نفي صحة المعلومات.
وقصفت «كتائب القسام» تل أبيب برشقة صاروخية ثقيلة، حيث سمعت دوي صفارات الإنذار بالمدينة الإسرائيلية الكبرى لأول مرة منذ 4 أشهر.
وأفادت التقارير بأن «القبة الحديدة» اعترضت 10 صواريخ، فيما سقط 12 صاروخاً في مناطق مفتوحة، وتسببت شظايا صواريخ بإصابة طفيفة لشخص بعد تضرّر سيارة في هرتسيليا شمال تل أبيب.
في هذه الأثناء، أعلنت وزارة الصحة بغزة ارتفاع عدد ضحايا الحرب على القطاع إلى 35 ألفاً و984 فلسطينياً، بينهم 81 خلال آخر 24 ساعة.
غموض التفاوض
وجاءت التطورات الميدانية، في وقت خيّمت الضبابية على فرص استئناف مفاوضات الهدنة وتبادل المحتجزين التي تتوسط بها قطر ومصر الولايات المتحدة بين طرفَي الحرب بشكل غير مباشر، إذ أفادت هيئة البث العبرية الرسمية بأن مسؤولين سياسيين إسرائيليين كبارا أكدوا أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لن توافق على شرط «حماس» بوقف الحرب مقابل التوصل إلى صفقة تعيد المحتجزين الإسرائيليين.
جاء ذلك قبل اجتماع لمجلس وزراء الحرب للاطلاع على آخر المستجدات بشأن المحادثات التي أجراها رئيس «الموساد» مع رئيس الوزراء القطري، محمد عبدالرحمن، ومدير المخابرات الأميركية (سي آي إيه)، وليام بيرنز، في العاصمة باريس الجمعة الماضية.
ووضعت كل من الحكومة الإسرائيلية و»حماس» لنفسيهما خطاً أحمر في مفاوضات الهدنة وتبادل الأسرى، فـ «إسرائيل لن توقّع على اتفاق ينص على وقف الحرب، و»حماس» لن توقّع على اتفاق لا ينص على وقف الحرب»، وبين هذين الخطين الأحمرين يواصل الوسطاء البحث عن «منطقة رمادية» تمكّنهم من الوصول إلى اتفاق يعيد المحتجزين الإسرائيليين إلى بيوتهم، ويوقف العمليات العسكرية الإسرائيلية الدموية في قلب قطاع غزة.
وعقد الاجتماع الإسرائيلي وسط خلافات داخلية بين أعضاء الائتلاف الحاكم، وفي ظل اتهام زعيم المعارضة يائير لابيد لنتنياهو بـ «التحريض على الفوضى» وبالوقوف خلف فيديو نشره أحد جنود الاحتياطي من غزة ويدعو إلى التمرد على وزير الدفاع يوآف غالانت الذي يؤيد، إلى جانب رئيس هيئة الأركان، إبرام صفقة ضرورية لإنقاذ المحتجزين.
من جهته، نفى القيادي الكبير بالمكتب السياسي لـ «حماس»، أسامة حمدان، الخوض في أي شيء عملي في موضوع المفاوضات التي توقّعت مصادر أن تستأنف في غضون أيام. وقال حمدان: «لم يبلغنا الوسطاء بأي شيء عن الموضوع، وفي ظل قرار المحكمة الدولية، نعتقد أن الحديث من الجانب الإسرائيلي في الموضوع هو محاولة للتهرب من قرارات المحكمة. الحديث اليوم عن المفاوضات ليس جدياً».
مساعدات ودبلوماسية
على الصعيد الإنساني، شدد متحدث عسكري مصري على أن القاهرة تواصل جهودها فى تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة إلى أهالي غزة، بالتزامن مع وصول 200 شاحنة تحمل مواد إغاثية من رفح المصرية إلى معبر كرم أبوسالم الخاضع لسيطرة إسرائيل، تمهيدا لإدخالها إلى القطاع بعد توقّف الإمدادات الأساسية منذ 20 يوما عقب سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفض مصر لتشغيله بالتعاون مع سلطات الاحتلال.
في موازاة ذلك، توجّه وزير الخارجية المصري سامح شكري، أمس، من باريس إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للمشاركة في اجتماع مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي مع عدد من وزراء الخارجية العرب والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، لبحث الأوضاع في غزة.
ولفتت «الخارجية» المصرية إلى أن «الزيارة تأتي في إطار التحركات العربية المتواصلة الساعية لتكثيف التشاور مع الأطراف الأوروبية من أجل وقف الحرب الإسرائيلية حقناً لدماء الشعب الفلسطيني، والحيلولة دون تفجّر الأوضاع في كامل الأراضي الفلسطينية، أو امتداد دائرة العنف لمناطق أخرى في الإقليم».