قد يستهزئ البعض عندما يطالع مقالاً أو قصة عن «الطبيخ» ويبادرك بالكلام: لقد أفلست يا صديقي من تناول قضايا مجتمعية ولم يعد في جعبتك غير الكتابة عن «الطبيخ».
ليس الأمر هكذا لأن الموضوع بحد ذاته يفرض نفسه على طول الأزمان سواء في ظل الأزمات الكبرى أم بغيرها، ومسألة «الطبيخ عند العرب» جدية، فقد اهتموا به منذ القدم، كما درست هذه الحالة الدكتورة سلام دياب رئيسة قسم الدراسات الشرقية في جامعة غرينوبل الفرنسية، ببحث علمي نشرته في مجلة «الدار» الصادرة عن دار الآثار الإسلامية، بقولها إن العرب قاموا منذ أوقات مبكرة بتأليف مجلدات عديدة في مجال الطبيخ والغذاء، وأول إشارة إليه في تاريخ الحضارة الإسلامية وردت في القرآن الكريم، حيث دعا عباده إلى تناول الطيبات «كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ».
فالطبيخ موضوع يشمل اختصاصات علمية عديدة من بينها، علم الإنثروبولوجيا الغذائية وعلم الاجتماع والتغذية والزراعة وعلم النبات والطب، ومن بين أهم الكتب التي صدرت كانت لابن سيار الورّاق كتاب «كنز الفوائد في تنويع الموائد» لكاتب مجهول، أما كتاب الطبيخ لإبراهم بن المهدي فقد وضع حجر الأساس لنوع أدبي رائد هو أدب المطبخ، ويبقى أن نقول إن أقدم كتاب في الطبخ وصلنا هو كتاب الناسخ وابن سيار الورّاق حول المطبخ والطاولة ووجبات الأكل.
تختم الدكتورة دياب بحثها بالقول إن أدب الطبخ في الحضارة العربية الإسلامية كنز هائل لما يتضمنه من معلومات عن الحياة المادية، ليس في مدينة السلام بغداد في العصر العباسي فقط، إنما في الشرق الإسلامي ككل.
في هذا الإطار كتبت السفيرة التركية لدى الكويت «طوبى نور سونمز» مقالاً معمماً في الصحف الكويتية تعلي فيه من شأن المطبخ التركي بتراثه الغني والمتنوع الذي يجسد قيم حضارات قديمة، لا سيما منطقة بحر إيجه والمتميز «بنظام غذائي متوسطي»، ومن باب الاعتزاز بمناسبة أسبوع المطبخ التركي تشير إلى أن ما يميز المأكولات الشهية في بحر إيجه، فكرة الاستدامة وعدم الهدر في الطعام وهي جزء من ثقافة الطهي التركية.
ما يعنينا هنا أن المطبخ التركي له صلة بتاريخ المطبخ الإسلامي والعربي، وما زال إلى جانب الإيراني والهندي وما بينهما من صلات لها علاقة بالجغرافيا والتواصل الحضاري بين شعوب هذه المنطقة.
ربما كانت دعوة الكاتبة هدى الشوا للمشاركة في مسابقة الطباخين أحدث الإصدارات في هذا المقام، دعوة قدمتها نيابة عن السلطان للمشاركة في مسابقة الطبخ في قصر باب الذهب وحددت الجائزة بألف دينار ذهبي، وهذه الرواية مستوحاة من العصر العباسي، تحكي عن مسابقة الطبخ السنوية، التي يقيمها خليفة الدولة العباسية في مهرجان حافل أمام جمهور من المتفرجين في بغداد يتنافس فيه خمسة طباخين.
فات الأديبة هدى الشوا دعوة السيدة «سوسن مطبخي» للمشاركة في هذه المهرجان نظراً لخبرتها الطويلة في الطبخ، في أيامنا هذه لا أيام السلاطين، ودعوة الزميلة دلع المفتي، صاحبة كتاب «مطبخ دلع».