يلتزم الموظف العام قانونـاً ببعض الواجبات والنواهي التي يفرضها عليه عمله في القطاع العام، وفي حال مخالفته لهذه الالتزامات يصبح عرضة للمساءلة التأديبية التي نظّمها قانون الخدمة المدنية، دون الإخلال بما يمكن أن يترتب عليه من مسؤوليات جنائية ومدنية وفق القوانين المختصة.

قد يقوم الموظف، داخل مقر الوظيفة أو خارجه، بفعل يرتبط بوظيفته ويشكّل في الوقت نفسه جريمة جنائية ومخالفة إدارية، كمن يرتكب جريمة الرشوة، أو كمن يقوم بالتزوير أو الاختلاس، أو يتقصد المساس بالوحدة الوطنية أو بالقيم التي يرتكز عليها المجتمع.

ورغم الترابط بين الجريمة الجنائية والمخالفة الإدارية في بعض الجوانب، فإن ذلك لا ينفي استقلال كل منهما عن الأخرى، إذ تقوم الأولى على الإخلال بقيمة مجتمعية يعاقب عليه قانون الجزاء بنص صريح، في حين قوام المخالفة الإدارية هو الإخلال بواجبات الوظيفة وما يجب أن يتحلى به الموظف العام من قيم سلوكية والتزام بالمحظورات التي فرضها عليه القانون.
Ad


المخالفة الإدارية إذاً هي أعمّ وأشمل من الجريمة الجنائية، فالأصل في الدستور والقواعد الثابتة في القانون الجنائي أن «لا جريمة ولا عقوبة بدون نص» في حين أن الأمر يختلف فيما يتعلق بالمخالفة الإدارية، حيث إن تقرير ارتكاب الموظف العام مخالفة تأديبية يعود فقط لقناعة السلطة التأديبية بعد إجراء التحقيق اللازم والتثبت مما نسب إلى المحقق معه من مخالفات متنوعة قد يصعب حصر أفعالها المادية وارتكاباتها.

لقد وضع قانون الخدمة المدنية في الكويت بعض الخطوط العريضة ذات الصلة بواجبات ومحظورات الوظيفة العامة، حيث ألزمت مواده الموظف- تحت طائلة تعرّضه للعقوبات التأديبية المنصوص عليها حصراً في المادة (28) من القانون نفسه- ببعض الواجبات الإيجابية وبعض النواهي السلبية التي تشكل مخالفتها بأي صورة أو تصرف مخالفة تأديبية. الموظف العام ملزم بموجب نصوص الخدمة المدنية أن يقوم بنفسه بالعمل المنوط به، وأن يؤديه بأمانة وإتقانن وأن يعامل المواطنين معاملة لائقة، وأن يخصص وقت العمل الرسمي لأداء واجبات وظيفته، وأن ينفذ ما يصدر إليه من أوامر بدقة وأمانة وذلك في حدود القوانين واللوائح والنظم المعمول بها، وأن يلتزم بشكل عام بأحكام القوانين واللوائح، وأن يحافظ على ممتلكات الدولة، وأن يتقيد بإنفاق أموالها بما تفرضه الأمانة والحرص عليها، وأن يحافظ على كرامة الوظيفة، وأن يسلك في تصرفاته مسلكاً يتفق والاحترام الواجب.

إضافة الى ذلك يحظر على الموظف العام التعامل التجاري مع الجهة الحكومية التي يؤدي فيها أعمال وظيفته، كما يحظر عليه أن يكون له مصلحة بالذات أو بالواسطة في أعمال أو مقاولات أو مناقصات أو عقود تتصل بأعمال أي جهة حكومية، ولا يجوز له أن يؤدي أعمالاً للآخر بمرتب أو بمكافأة أو بدونهما ولو في غير أوقات العمل الرسمية إلا بإذن كتابي من الوزير، ولا يصحّ أن يستغل وظيفته لأي غرض كان أو أن يتوسط لأحد أو أن يوسط أحدًا في شأن من شؤون تلك الوظيفة، ناهيك عن تحريم إدلائه بأي معلومات عن الأعمال التي ينبغي أن تظل سرية بطبيعتها مع عدم جواز الاحتفاظ لنفسه بأصول أي وثائق رسمية أو صور منها.

وبالمحصّلة إذا تبيّن للجهات المختصة، الإدارية والقضائية، أن تصرّف الموظف الذي خالف من خلاله المواجبات والمحظورات المذكورة يتحقق فيه الركنان المادي والمعنوي لأي من الجرائم المنصوص عليها في القوانين الجزائية، يصبح الموظف عرضة لمساءلتين واحدة تأديبية وأخرى جنائية، مع وجوب التنبه الى بعض ملامح التأثيرات المتبادلة بين المخالفة الـتأديبية والجريمة الجنائية:

أ‌ولاً- حالة اكتشاف شبهة جنائية أثناء التحقيق الإداري: فوفقاً لنص المادة (59) من قانون الخدمة المدنية إذا بدت للمحقق أثناء التحقيق شبهة جريمة من جرائم القانون العام وجب عليه عرض الأمر على وكيل الوزارة لتولي عرضه على الوزير للنظر في إبلاغ السلطات القضائية وفي استمرار التحقيق أو وقفه، ومن ثم تتخذ جهة الإدارة ما يلزم في ضوء ما يسفر عنه التحقيق الإداري أو المحاكمة الجنائية من نتائج.

ثانياً‌- حالة التوقيف أو الحبس الاحتياطي لموظف في شبهة جنائية: قد يلقى القبض على أحد الموظفين العامين متلبساً بفعل يشتبه أنه يشكل جريمة- مرتبطة أو غير مرتبطة بوظيفته- فيصبح نتيجة لذلك عرضة للتوقيف أو الحبس احتياطياً على ذمّة التحقيق... هذا الأمر يجبره بشكل تلقائي على التغيّب عن العمل، وهو ما قد يبرر أن ينسب اليه ارتكابه لمخالفة تأديبية رغم تمتعه جنائياً بصك البراءة الى أن تتم إدانته!

بناء على ما سبق، وكي يبرر الموظّف المقبوض عليه على ذمّة التحقيق موقفه، ويتحاشى أي إجراء تأديبي بحقه، وجب عليه تبرير غيابه القسري بإفادة تثبت وجوده في الحبس الاحتياطي، حيث يعتبر وفق نص المادة (30) من قانون الخدمة المدنية موقوفاً حكمياً عن العمل، أما إذا ارتبط الفعل الجرمي المنسوب للموظّف العام بعمله، فيفترض أن تقوم النيابة العامة من تلقاء نفسها بإبلاغ جهة العمل الرسمية بما يحوم حول الموظف من شبهات والجرائم المنسوبة إليه والإجراءات التي اتخذت حياله.

ثالثاً- حالة صدور حكم جنائي بات بالبراءة أو بالإدانة: تميل كفّة القول إلى أن عدم إدانة الموظف العام المتهم بجريمة جنائية لا يترتب عليه حتماً إعفاؤه من الخضوع لإجراءات المخالفة الإدارية، فقد يحكم القضاء بالبراءة لعدم كفاية الأدلة أو قد تمتنع المحكمة عن النطق بالحكم لسبب معين، وفي الوقت نفسه تثبت المخالفة الإدارية بوجود خلل في سلوك الموظّف مما يجعله مستحقاً لعقوبة تأديبية، وعلى العكس من ذلك فإن حكم الإدانة يعتبر عنوان الحقيقة مما لا ينبغي تجاهله في الإجراءات التأديبية إذا ما ارتبط الارتكاب بالوظيفة العامة.

رابعاً- في سياق مجمل ومتصل، أشار نظام الخدمة المدنية إلى بعض الآثار المترتبة على الإحالة إلى التحقيق أو المحاكمة أو الوقف عن العمل، حيث يتعرض الموظف المعني الى ما يسمى «عقوبات تبعية» تؤثر في مساره الوظيفي في عدة مجالات، بدءا من التعيين الى الترقية وانتهاء بالصرف من الخدمة.

فمن ضمن الشروط التي نصت عليها المادة (1) من نظام الخدمة المدنية لتعيين الموظف العام «ألا يكون قد سبق الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يكن قد رد إليه اعتباره في الحالتين»، هذا مع العلم أن صدور مثل هذا الحكم بحق الموظف يشكل وفق المادة (71) من نظام الخدمة المدنية سبباً لانتهاء خدمته.

أما في مجال الترقية، فلم يجز نص المادة (67) من نظام الخدمة المدنية ترقية الموظف الموقوف عن العمل أو المحال إلى التحقيق الإداري أو إلى المحاكمة الجزائية في جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة خلال مدة الوقف أو الإحالة.

* كاتب ومستشار قانوني