ونحن طلبة صغار جداً، أي في المراحل التعليمية الابتدائية وفي المدارس الحكومية لا الخاصة الاستثمارية!! رددت معلماتنا علينا الكثير من العبارات والحكم بل القصص، وهي في مجملها تتلخص في أن «في الاتحاد قوة وفي التفرقة ضعف»، لا ينسى الكثيرون منا قصة ذاك الأب أو الجد، حسب أي معلمة وطريقة سردها، الذي جمع أبناءه، وقال لهم اكسروا العصي، وعندما حاولوا لم يستطع أحد منهم إلا عندما فرق العصي، فانكسرت على أيدي الأبناء، وطبعا الكثيرون من جيلنا المعتق يتذكرون هذه الروايات، فقد كانت عابرة للحدود والثقافات والجنسيات والأجناس.

بقينا سنين وعقودا نردد تلك العبارات والأمثلة كالببغاوات أو ربما كما يفعل كثير من «الرعايا»، لا المواطنين الأحرار عقلا، حيث لا حدود ولا أسقف تمنع التفكير أبعد من الدرس، أو تعمل ولو بشيء من البراءة أحيانا، أو حسن النية أو السذاجة، أن تعيد النظر فيما تعلمناه وما هو واقعنا.

امتد ذلك حتى أصبحت الحاجة ملحة لإعادة التذكير بأن في الاتحاد قوة عندما نكون أحراراً، وهي ضعف ووهن عندما نكون مجرد تابعين، حتى لا أقول عبيداً!! وكتم كثيرون منا هذه الأفكار حتى قبل أن يشيخوا ويبيض شعرهم كبياض قلوب بعضهم، إلا أن كثيراً من المشاهد والحقائق بقيت تطاردهم لأنها ببساطة شديدة لا تعبر عن أي قوة في الاتحاد، بل يراقب معظمنا تلك الاجتماعات الكبيرة والصغيرة منها حيث يردد الإعلامي أو الإعلامية عبارات التعظيم نفسها بتلك «اللحظة التاريخية»، ثم يحاولون وصف المشهد، فتخرج منهم عبارات أكثر بلاهة مما كانت تردده الببغاوات الجميلات!! مثل «جلسة حميمة بين الزعيم والزعيم، وابتسامة عريضة تعبر عن مدى سعادتهما بهذه اللحظة»، فلا يملك ذاك المتخفي باسم مستعار أو حتى الذي يجهر باسمه وصورته، إلا أن يرسل قهقهات تصل من أول قرية بالقرب من المحيط إلى آخر شارع على ضفاف الخليج، ألم تكن هي بلاد العرب أوطاني و... و...!! رغم أنها، أي الأغنية، أصبحت «دي مودي» أي قديمة جداً جداً عندما تشح التأشيرات على العرب بين العرب، وتكثير الاستمارات والمبالغ لعبور الحدود الاصطناعية!!
Ad


في الاتحاد قوة، قالوا فانهزمنا بدل المرة مرات أمام عدو يبدو وحيداً إلا أن خلفه جيوشاً من الاستعماريين القدامى يحمونه لحماية أنفسهم، وهم في ذلك يثبتون ربما أن في الاتحاد قوة، ربما حتى جاء السابع من أكتوبر فعبر الفلسطينيون عن أن القوة قد تأتي من الفرد أو الفصيل أو الشعب الواحد، حتى قال كثيرون في أوروبا وأميركا إن الفلسطيني قد حررنا نحن!!!

وبقينا نحن نعيش الكذبة أو النكتة المتجسدة في مبنى واسم واجتماعات، بل مؤتمرات وقمم وأناشيد وطنية وأعلام وقصور وعربات فاخرة، وأغان وأناشيد وجيوش من الأمن والمرافقين و... و... في حين تخفي تلك المظاهر وهناً لم يسبق له مثيل في التاريخ الحديث أو حتى القديم.

ليت ذاك الشيخ يعود ليرى أنهم عندما اجتمعوا تكسرت العصي حتى تفتّتت وتحولت إلى رماد، وبقي الفلسطيني هناك يناطح أحدث أدوات القتل في بيته أو خيمته أو طفله أو أمه أو أبيه أو حتى جسده، وهذه أضعف إيمان المؤمنين في حين الآخرون يستحمون بالبخور والعطور ويرتشفون القهوة مع حب الهيل والزعفران.

في الاتحاد قوة، قالوا لهم فاعتمدوا على وحدتنا من خلال جامعتنا، أو من تلك المنظمة الدولية التي تجمع كثيراً من الدول المناصرة لنا، فامتلأت القاعات بالمباخر وأكواب الشاي و«البشوت» أكثر منها بالعزيمة، وهناك في نيويورك أصدرت الأمم المتحدة أكثر من 131 قراراً بشأن ما سموه «الصراع العربي الإسرائيلي»، وهو في حقيقته حرب تحرير الفلسطينيين من الاحتلال الصهيوني، بقيت تلك القرارات حبراً على ورق، بل تحولت إلى مصدر للغضب أحيانا وللسخرية من تلك المنظمة الأممية كثيراً رغم أن مجلس الأمن هو مجلس المنتصرين بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يتغير حتى تخيلوا هم أنهم زعماء الكون أو مستعمروه!!!

في المشهد الأخير في تلك القاعة سقط كل ما تعلمناه بحسن نية وكثير من الإخلاص من معلمين آمنوا بأن في وحدتنا قوة حتى قالوا لهم إنكم مخطئون، فالوحده قوة ربما، لكن ليست عند العرب، والاتحاد قوة ربما لدى الأوروبيين المتصارعين تاريخيا أو الآسيويين والأفارقة واللاتينيين إلا العرب، فقد أثبتوا في شهر مايو من 2024 أن في اتحادهم ضعفاً كما تجلى في جامعتهم!!!

* ينشر بالتزامن مع «الشروق» المصرية