ارتكبت قوات الجيش الإسرائيلي مجزرة جديدة راح ضحيتها أكثر من 45 فلسطينياً، بينهم 23 من النساء والأطفال وكبار السن، بعدما شنّت غارة على مخيم يؤوي عشرات الآلاف من النازحين في شمال غرب مدينة رفح المتاخمة لمصر ليل الأحد ـ الاثنين.
وأفادت السلطات الصحية بالقطاع الفلسطيني بأن الغارة الجوية على المخيم الذي فر له الآلاف بعد أن طالبتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء الأحياء الشرقية لرفح تسببت أيضا في إصابة 249 شخصا، بعضهم بجروح خطيرة جراء اشتعال النيران بخيام الإيواء.
في المقابل، زعم الجيش الإسرائيلي أن طائرات تابعة لسلاح الجو، بتوجيه من المخابرات العسكرية و»الشاباك»، هاجمت تل السلطان، المنطقة الواقعة بأقصى جنوب غزة عند الشريط الحدودي مع مصر، مما أسفر عن مقتل اثنين من كبار القادة في «حماس» هما رئيس مكتب الحركة في الضفة الغربية ياسين ربيع، والقيادي البارز بالمكتب السياسي في الضفة خالد النجار.
وأشار الجيش إلى أنه يحقق في «الحادث الخطير».
اتهام وتنديد
واتهمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بتعمد ارتكاب المجزرة، وبتحدي جميع قرارات الشرعية الدولية، فيما دعت «حماس» الفلسطينيين إلى «الانتفاض والخروج بمسيرات غاضبة» ضد المجزرة التي حملت إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المسؤولية عنها. وتسببت الفاجعة الإنسانية الجديدة، التي تأتي بعد 3 أيام من إصدار محكمة العدل الدولية، قرارات لإسرائيل بوقف عملياتها العسكرية في رفح فوراً، في ردود فعل دولية واسعة للتنديد بالحادث، إذ أعربت وزارة الخارجية عن إدانة واستنكار دولة الكويت لمجزرة رفح.
وأكدت «الخارجية»، في بيان، أن «ما تقوم به القوة القائمة بالاحتلال ضد العُزّل من الفلسطينيين يكشف بشكل جليّ ارتكابها، أمام العالم أجمع، إبادة جماعية غير مسبوقة وجرائم حرب صارخة تستدعي تدخلا فوريا وحازما من المجتمع الدولي لإلزام تلك القوات بالانصياع لكل قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وفي مقدّمتها قرار محكمة العدل الدولية الواضح والصريح بضرورة وقف استهداف مدينة رفح، وتوفير الحماية للشعب الفلسطيني».
ودانت مصر بأشد العبارات مجزرة رفح، ووصفت القصف بـ «المتعمد». وقالت إنه «ينتهك القانون الدولي الإنساني، واتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين في وقت الحرب».
وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسي، خلال استقباله وفداً من أعضاء «الكونغرس» الأميركي من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، من المخاطر الناجمة عن العمليات العسكرية للاحتلال الإسرائيلي في رفح الفلسطينية، وتداعياتها الإنسانية والأمنية.
وفي الرياض، أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة واستنكارها استمرار مجازر قوات الاحتلال ومواصلتها استهداف المدنيين العزّل في غزة.
وفي تصريحات منفصلة، دعا وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، إسرائيل إلى قبول وجود دولة فلسطينية، محذراً من أن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه ذلك يعتبر «أمراً مثيراً للقلق».
ورأى بن فرحان، خلال مؤتمر مشترك مع نظيره النرويجي، إسبن بارث إيدي، والممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، أنه «من الضروري أن تقبل إسرائيل بأنها لا تستطيع أن توجد بدون وجود دولة فلسطينية».ودان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي «جريمة الحرب البشعة»، داعيا إلى محاسبة المسؤولين عنها، فيما نددت قطر بالقصف على رفح، وحذرت من أنه قد يتسبب في عرقلة تقدم محاولات إحياء المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و»حماس» بشأن تبادل المحتجزين ووقف القتال. كما صدرت إدانات من الإمارات، وسلطنة عمان، وتونس، والجزائر، والمغرب.
غضب وجحيم
وفي باريس، قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إنه يشعر بغضب من الضربات الإسرائيلية على رفح. وأضاف عبر منصة إكس: «تلك العمليات يجب أن تتوقف. ليس هناك مناطق آمنة في رفح للمدنيين الفلسطينيين».
في موازاة ذلك، ندد وزير خارجية إسبانيا، خوسيه ألباريس، باعتداء إسرائيل الذي ينتهك قرارات محكمة العدل الدولية. وقال ألباريس خلال مؤتمر مشترك مع نظيريه الأيرلندي والنرويجي، في العاصمة البلجيكية بروكسل، عشية اعتراف الثلاثي الأوروبي بالدولة الفلسطينية رسمياً إن «قصف رفح حدث بعد قرار محكمة العدل الدولية، مما يستدعي رفع صوتنا لدعم القانون الدولي، وسأطلب من الوزراء الأوروبيين الآخرين دعم عمل المحكمة». ورأت إيطاليا أن الهجمات الإسرائيلية على المدنيين «لم تعد مبررة».
وفي أنقرة، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالعمل على محاسبة القتلة الذين امطروا المدنيين العزّل بمخيم النارحين بالقنابل، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين «نتنياهو لن يتمكن من تجنب أن يتم ذكره باللعن، مثل الزعيم النازي الراحل أدولف هتلر، وغيره من الفراعنة في التاريخ الذين يقلدهم».
من جهتها، اعتبرت وكالة أونروا أن الصور المروعة من المجزرة التي استهدفت العائلات التي نزحت داخل رفح، هي دليل على أن غزة «جحيم على الأرض»، ولا يوجد بها أي مكان آمن للجوء إليه.
قصف واستهداف
ميدانيا، قصف الجيش الإسرائيلي بطائرات مقاتلة ومسيرة ومدفعية أرضية خلال اليوم الماضي أكثر من 75 هدفا في عموم مناطق القطاع، مما تسبب في مقتل 66 ورفع عدد القتلى منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر الماضي إلى 36 ألفا و50 شهيدا. وتحدثت تقارير عن تركيز القصف المدفعي لمناطق تؤوي نازحين في شمال ووسط غزة، خاصة مخيم النصيرات والبريج والزرقا وجباليا التي تشهد معارك برية ضارية. وبينما قال الجيش الإسرائيلي إنه دمر نفقا يمتد لـ800 متر وبعمق 18 مترا وسط القطاع، قصفت الفصائل الفلسطينية مستوطنات غلاف غزة بـ8 صواريخ. وفي وقت يتحرك الاتحاد الأوروبي المنقسم باتجاه أداء دور في مسار لتسوية مستقبلية بين إسرائيل والفلسطينيين، اكتفت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بإعلان أن بلادها تدعم فكرة نشر بعثة للاتحاد الأوروبي عند معبر رفح الحدودي بقطاع غزة.